حذر باحثون فرنسيون من خطورة التطرف المُتصاعد في صفوف الشُبان الفرنسيين من أصول مسلمة المُلتحقين بصفوف تنظيم “داعش”، داعين إلى نزع فكرة “العلاقة العدائية” بين فرنسا والإسلام من أذهان هؤلاء.
جاء ذلك في ندوة فكرية أقيمت مساء أمس الأحد على هامش فعاليات الدورة الـ21 للمعرض الدولي للكتاب في المغرب، نظمها مجلس الجالية المغربية بالخارج.
وقال فريد عبد الكريم الباحث السوسويولوجي الفرنسي من أصول جزائرية، إن بعض الشباب الذين اختاروا مُغادرة الاراضي الفرنسية في اتجاه صفوف تنظيم داعش مُقتنعون بوجود علاقة “عدائية” و”صدامية” بين فرنسا والإسلام، أسهمت بعض الجماعات الإسلامية في الترويج لها.
وطالب الحكومة الفرنسية، بعدم تهميش هؤلاء الشباب والزج بهم في ردهات الأفكار المتطرفة، داعيا السلطات الفرنسية إلى العمل على استقطابهم بدورها على غرار ما تقُوم به التنظيمات الجهادية، وتلقينهم مبادئ علمانية الدولة، وحرية الرأي والتعبير والتعددية.
ووجه عبد الكريم انتقادات لما اعتبره دورا سلبيا لجماعة الإخوان المسلمين في فرنسا (لا يوجد تنظيم للإخوان داخل البلاد) في تأطير جيل واسع من مسلمي أوروبا، معتبرا أن فهم أدبيات تعتمدها الجماعة، وغلبة الجانب السياسي على دعوتها الدينية، يعد أحد المداخل الرئيسية لقراءة ما تشبعت به شريحة مهمة من الشباب الفرنسي من “أفكار متطرفة” على حد قوله.
وتحدث الباحث الفرنسية عن الدور الذي يلعبه “الخطاب المُحرض” في بعض المساجد في تغذية الفكر المتطرف، وتشكيل وعي لدى هولاء الشباب بأن “المُسلمين هم المالكون للحقائق اليقينية والمُطلقة” دون الحاجة لإجراء نقد ذاتي لثراتهم الديني والفقهي.
من جانبه، اعتبر “باتريك أومويل” المحلل الفرنسي المختص في قضايا التطرف، أن التحاق حوالي 1500 فرنسي بصفوف تنظيم داعش في سوريا والعراق، يتطلب فهما عميقا للعوامل الثقافية والاجتماعية التي تقف وراءه.
وأشار أمويل إلى أن 1500 من الفرنسيين المُلتحقين بمناطق التوتر في الشرق الأوسط، توجهوا في البداية إلى هذه المناطق لدوافع إنسانية ولتقديم المساعدات لضحايا العنف بين أطراف النساء من ضمنهم شابات فرنسيات كاثولكيات، قبل أن تشهد فرنسا بعد سيطرة داعش على أجزاء واسعة من سوريا والعراق، موجة هجرة لشباب فرنسيين من أصول عربية وآخرين معتنقين جدد للإسلام للالتحاق بصفوف داعش، بالإصافة لفرنسيات غادرن الأراضي الفرنسية باتجاه سوريا والعراق للالتحاق بأزواجهن من مُقاتلي هذا التنظيم، أو للقتال بشكل مباشر في صفوف كتائبه النسائية.
ودعا أمويل إلى الحذر من نزعات التطرف المُتنامية في صفوف الشباب الفرنسي خلال السنوات القليلة الماضية، مشددا على ضرورة عرض “هذه الحالات المُتطرفة على علم النفس المرضي”، مواجهة القناعة العميقة لديهم بـ”حتمية الصدام” بين فرنسا والإسلام.
من جانبها، اعتبرت إميلي بوخبزة المختصة النفسية الفرنسية من أصول تونسية، أن تنامي التطرف في صفوف شُبان فرنسيين من أبناء الجاليات المُسلمة يعود إلى انهجاس متزايد من قبل هؤلاء بسؤال الهوية، وطرحهم لقضايا تؤرقهم بشأن طبيعة التعامل مع الثقافة الأصلية، ومسألة الخصوصية الهوياتية، والتفكير في مآلات المصير الغيبي، وثنائية “الجنة والنار”.
واعتبرت بوخبزة أن فشل هؤلاء الشباب في إيجاد إجابات عن هذه الإشكاليات، وصعوبة اندماجهم في مُحيطهم، يدفعهم إلى النزوع إلى “التطرف الهوياتي” تأكيدا على خصوصية .
وتقول السلطات الفرنسية إن أكثر ما يزيد عن ألف فرنسي يحمل جنسات مغاربية قد التحقوا خلال الفترة الأخيرة بمعسكرات تنظيم “داعش” الذي يسيطر على مناطق واسعة في العراق وسوريا.
وتصاعدت حسب مسؤولين فرنسيين خطر التهديد الإرهابي لبلادهم منذ مشاركتها في عمليات عسكرية في عدة بلدان على رأسها ليبيا ومالي وأفريقيا الوسطى - ومن ثم شاركت في الغارات الجوية ضد تنظيم داعش في العراق، ما يجعلها حسب هؤلاء عرضة لخطر “الإنتقام الإرهابي”.
وحذر مسؤولون في وقت سابق - على رأسهم وزير الداخلية “برنار كازنوف”، والقاضي الفرنسي المكلف بمكافحة الإرهاب “مارك تريفيديك”، ومدراء أقسام جهاز المخابرات - من إمكانية استهداف إرهابيين؛ للمواقع السياحية والاستراتيجية في فرنسا، وبخاصة في باريس.