استطاعت خيرة محي الدين أن ترسم لنفسها مسارا ناجها في مجال الطبخ وبرزت في الأرجنتين كما في عدد من دول أمريكا الجنوبية كاسم مرادف لفن الطبخ المغربي، اجتهدت وعلى امتداد أكثر من عقد من الزمن في تقديم أطباق مغربية تفوح بنكهات عابقة بتقاليد عريقة.
ضاقت بها جدران كلية الحقوق بالقنيطرة، بل حتى الوظيفة التي حصلت عليها بإحدى الادارات العمومية لم تكن لتثنيها عن عشقها السرمدي فانطلقت لتجد فضاءها الأرحب وعالمها الأوسع متمثلا في فن الطبخ وتحديدا الطبخ المغربي الأصيل، الذي يتفرد عن سواه بخصائص متميزة، تمكنت خيرة من سبر أغواره وتساهم في وضع لمساتها الخاصة على بعض الأطباق وتقدمها كما لو كانت علامة مسجلة باسمها.
حلت خيرة ذات يوم من صيف عام 2002 ببوينوس أيريس تذكرت وهي تحكي قصتها مع الهجرة، وكيف كانت البداية صعبة للغاية لكن عزيمتها كانت أقوى فقررت مواصلة الدراسة بمعاهد عليا بالأرجنتين والتخصص في فن الطبخ وحصلت على ديبلومات في هذا المجال لتبدأ رحلة التألق في سماء بوينوس أيريس من خلال الطبخ المغربي.
جعلت خيرة من بيتها بالعاصمة الأرجنتينية نموذجا للبيوت المغربية وحرصت على أن يشعر الداخل إليه وكأنه يلج أحد المنازل المغربية ووضعت في كل ركن من زوايا البيت شيئا ما يذكرها بالبلاد العزيزة.
ومع توالي السنوات أصبحت خيرة وجها مألوفا في العديد من القنوات التلفزيونية والاذاعية ومختلف المجلات والصحف المحلية ساعدها في ذلك إتقانها للغة الاسبانية مما جعلها تقدم الطبخ المغربي بأدق تفاصيله التاريخية.
وتقول خيرة أنه في جميع المهرجانات التي شاركت فيها سواء بالأرجنتين أو البراغواي أو الأوروغواي إلا وتحظى أطباقها بإقبال منقطع النظير، فلا يكتفي زوار رواقها بالاستمتاع بما جادت به أناملها من مأكولات مغربية غاية في الروعة، بل تتحفهم بقصة كل طبق تقدمه وكيف أن المغربيات كن حريصات على توارثه جيلا بعد جيل.
وتضيف بالقول، في حديثها لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن الطبخ المغربي ليس مجرد مأكولات تملأ البطن بل يعد ثقافة عريقة وتاريخا ضاربا في القدم سحر بنكهاته التي لا تقاوم وخصائصه المتفردة كل من تذوقه فلا يتردد في طلب وصفة الطبق الذي تناوله لتمنحه خيرة إياها.. لكنها تدرك أنه مهما حاول فلن ينافس ما تعده من أطباق، لأن السر برأيها يكمن في "الأنامل الذهبية والخلطة السحرية".
وفي تقدير خيرة فإن فن الطبخ عموما والمغربي منه على وجه الخصوص، "كالعلم لا يعطيك بعضه إلا أعطيته كلك"، لذلك تنصح المبتدئات في هذا المجال بالصبر والمثابرة والتضحية من أجل أن يصبحن في المستقبل طباخات ماهرات، محذرة في الآن ذاته من الخطورة التي ينطوي عليها مجال الطبخ لأن "الخطأ فيه غير مسموح إطلاقا على اعتبار أن الأمر يتعلق بصحة الانسان التي توجد فوق أي اعتبار".
وتعتبر خيرة أن تجربتها الطويلة جعلتها تفكر في المزج بين الطبخ المغربي والطبخ الأرجنتيني اللاتيني لتعيد تقديم أطباق تنهل من الثقافتين معا، لكن بلمسة مغربية جمعت بين المملح والمحلى وهو ما لقي تجاوبا كبيرا ورأى فيه البعض تلاقحا حضاريا على مستوى المائدة.
وتقول أنه بفضل الطبخ المغربي استطاعت أن تعرف الارجنتينيين على المغرب، الأرض المعطاء والبلد المنفتح على مختلف الثقافات والحضارات وليس الطبخ إلا وجها من أوجه الثقافات المتعددة التي يزخر بها المغرب.
وتعتبر أنها حرصت، وعلى امتداد السنوات ال 13 التي قضتها بالأرجنتين على تقديم الصورة الحقيقية للمرأة المغربية، المتشبثة بتقاليديها وعاداتها أينما حلت وارتحلت. فهي لا تجد حرجا في ارتداء جلبابها التقليدي والخروج للتسوق في شوارع بوينوس أيريس وكثيرا ما استوقفتها أرجنتينيات يدفعهن الفضول للسؤال عن الجلباب المغربي.
وبمناسبة اليوم العالمي للمرأة تقول خيرة أن المرأة المغربية، في أي بلد كانت تستحق أن يشد على أيديها بحرارة لأنها مثال يحتذى في ورمز الصبر والمثابرة وعزة النفس، فهي مجدة ومجتهدة وتتبوأ أعلى المراتب وتحرص على أن تكون دائما في القمة والعطاء سواء في عملها اليومي أو إزاء واجباتها الأسرية ومسؤولية الأبناء والبيت كما أن لها القدرة على الانغماس في المجتمع الذي تعيش فيه بكل سهولة.
وتخلص بالقول إلى أنها فخورة بمغربيتها وحريصة على حمل حب البلاد في قلبها رغم البعد والغربة، مشددة على أنها مدينة في النجاح الذي وصلت إليه اليوم إلى كل الأمهات والجدات اللواتي بفضلهن وصلنا الطبخ المغربي مشبعا بعبق التاريخ وهو اليوم أمانة لابد من الحرص على تقديمه في أبهى الصور لجميع شعوب العالم.
عن وكالة المغرب العربي للانباء