يعتبر المغاربة أكثر الشعوب العربية اندماجا داخل المجتمع الفنلندي، ويعود وجود الجالية المغربية إلى نهاية الثمانينات من القرن الماضي، حيث هاجرت الموجة الأولى من المهاجرين المغاربة إلى مدينة هلسنكي، وتركوا، وكوبيوا، من أجل الدراسة والسياحة.
واستطاع العديد من المغاربة حينها الاندماج في البلد المضيف، ومع بداية التسعينات انتقلت إلى فنلندا الموجة الثانية من المهاجرين، حيث قدم القسم الأكبر منهم، عبر التجمع العائلي بالزواج بالفنلنديات، خصوصا من مدن أكادير، والصويرة، ومراكش، ومكناس، وفاس.
وتحمل عدد من أعضاء الجالية المغربية بفنلندا مسؤوليات علمية وسياسية، مثل البروفسور محمد صبور، بمدينة يوهانسو، والذي توج بميدالية ذهبية من الرئيس الفنلندي، والبرلمانية ساري السايح، والتي كانت من بين المرشحين في الانتخابات الرئاسية السابقة.
ومن هؤلاء المتألقين المغاربة أيضا الدكتور شهاب بن موسى بمدينة توركوا، والأستاذ الفيزيائي بلحسن بجامعة هلسنكي، والدكتور بوهلال بجامعة تامبيري وسط فنلندا.
اندماج إيجابي
يقول الناشط الجمعوي المغربي، محمد العسري والمقيم منذ الثمانينات بفنلندا،" أشعر أنني مواطن مغربي وفنلندي، ولست ضيفا على فنلندا، وإنما فرد من المجتمع الفنلندي، وبحسب القانون الأساسي لفنلندا، فإنه لدي حقوق وعلي واجبات يجب الالتزام بها"..
ويرى العسري أن الجالية المغربية تشكل نموذجاً يمكن أن يحتذى به نتيجة "تفهم معظم المهاجرين المغاربة لواقع الحياة في فنلندا، وإتقانهم للغة الفنلندية، وتبوئهم وظائف في عدة مجالات.
ويضيف المتحدث، في تصريحات لهسبريس، أن الشعب الفنلندي طيب وواع، وعلينا نحن المغاربة خصوصا التمسك بكل العادات والتقاليد الإيجابية في المجتمع، والتخلي عن السلبيات" وفق تعبيره.
ويقوم المنتدى المغربي بفنلندا من خلال عدة أنشطة بتوعية المجتمع المدني عبر عدة قنوات، خصوصا الإعلامية بمقالات تربوية هادفة، وبالتعريف بثقافة وعادات وتقاليد المغرب في كل الملتقيات الثقافية، الشيء الذي لقي ترحيبا كبيرا لدى الفنلنديين.
ومن جهتها تولي فنلندا مسألة الاندماج اهتماماً كبيراً، سيما في السنوات الأخيرة، حتى أن الأحزاب السياسية وضعت هذا الملف ضمن برامجها الانتخابية هذه السنة، وتقوم الحكومة بحث الأجانب على المشاركة في دورات الاندماج التي توفرها لهم، من خلال تقديمها لدورات تعليم اللغة الفنلندية، ودورات تأهيل مهني بهدف دمجهم في سوق العمل.
اللغة مفتاح المستقبل
وكشفت دراسة سابقة بعنوان "المهاجرون المتعلمون في أسواق العمل"، أن قرابة 75 % من المهاجرين من حملة شهادات التعليم العالي بلا وظائف، مبرزة أن أسباب ضعف حالة التوظيف بين صفوف ذوي التعليم العالي تعود إلى حاجز التواصل اللغوي والتعرض للتمييز العنصري.
وأفادت الدراسة أن 6 % فقط من المهاجرين حصلوا على عمل في الفترة الأخيرة من العام الأول لهم بفنلندا، في حين حصل ثلث من شملتهم الدراسة على العمل بعد مرور 3 سنوات، في إشارة إلى أن الانتقال للبلاد يعقبه انخفاض في المستوى الوظيفي.
ويقول تمام ماء العينين، أجير بأحد الشركات بهلسنكي، إن اللغة الفنلندية كانت مفتاح المستقبل له بفنلندا، مضيفا أن "معرفة اللغة هي أحد الشروط الحاسمة للاندماج المهني والاجتماعي، ولذلك فمن مصلحة المهاجرين المغاربة الجدد تعلم اللغة الفنلندية جيدا".
وتابع قائلا "اللغة هي الخطوة الأولى للاندماج في المجتمع الفنلندي، وبعد ذلك تكون الخطوة الأهم الحصول على عمل، والعيش بفضل دخل خاص مستقل عن المساعدات، حيث تتوفر الفرصة للتعرف على الناس والقوانين، ومن ثم العادات والتقاليد".
ويقول نبيل، المقيم بهلسنكي منذ أربعة أعوام، بأنه يشعر بالغربة التامة، ويرجع هذا بشكل رئيسي إلى عدم تمكنه من التحدث باللغة الفنلندية بشكل جيد"، مردفا "لهذا السبب لم أحاول التعرف أو ربط علاقات مع الشباب الفنلندي، وهذا ما يشعرني بالوحدة والغربة".