الأربعاء، 03 يوليوز 2024 06:22

الطبقة السياسية الدنماركية تشدد خطابها حول الهجرة على مشارف انتخابات حاسمة

الجمعة, 10 أبريل 2015

"إذا أتيتم للدنمارك، فعليكم بالعمل"، هذه العبارة تجابه المرء منذ أسابيع في قلب العاصمة كوبنهاغن عبر ملصقات ولوحات إعلانية تحمل توقيع رئيسة الوزراء هيلي تورنينج- شميت. 

فخلف ابتسامتها الساحرة، تحاول السياسية اليسارية جاهدة على مشارف الانتخابات الظهور بمظهر الحزم في ملف الهجرة الذي سيكون لا محالة أحد رهاناتها الكبرى.

إذ تبدو هذه القضية الشائكة من أكثر المواضيع المثيرة للجدل في هذا البلد الاسكندنافي، خاصة عشية الانتخابات التشريعية، التي من المنتظر أن تدعو إليها السيدة تورنينغ -شميت قبل 15 شتنبر المقبل.

ويرى مراقبون أن رئيسة الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي يرأس ائتلاف يسار الوسط، والذي جاء للحكم في سنة 2011 حاملا وعود تحقيق سياسة للهجرة أكثر إنسانية ، تتجه على العكس من ذلك نحو مقاربة أكثر تشددا.

ويدافع أنصار رئيسة الوزراء على حملتها التي واكبت إطلاق برنامج جديد يخول لجوء المهاجرين إلى سوق العمل تحت يافطة "الجميع مطالب بالإسهام"، معتبرين أن فلسفة الحزب تقوم على أن مساهمة الجميع في بناء المجتمع شرط أساسي للمطالبة بالاستفادة من التعويضات الاجتماعية.

ومنذ خطابها بداية السنة الجديدة 2015، أعطت شميت انطباعا على هذا التحول في موقفها، إذ تساءلت "هل نجحت سياسة الادماج؟ . لا الحقيقة أن الأغلبية لا تزال في أدنى سلم الدخل".

وأضافت في تأكيد يحيل على الخطاب الشعبوي الذي يعتبر المهاجرين عبئا على المجتمع بالقول "بكل وضوح، لا ينبغي أن يصبح المهاجرون زبناء".

وفي هذا البلد، الذي يبلغ عدد سكانه نحو 5.4 مليون نسمة، لا تزال ترتفع الأصوات بشكل متوالي للتأكيد على أنه ينبغي أن يستفيد من النظام الدنماركي للحماية الاجتماعية السخية في المقام الأول المواطنون الدنماركيون.

وإذا كانت خطوة رئيسة الوزراء قد لاقت انتقادا لدى بعض حلفائها اليساريين لكونها خضعت لخطاب اليمين، فإنها بالمقابل أثارت غضب معارضيها من الكتلة المحافظة وحلفائهم الشعبويين المتبنين لخطاب كراهية الأجانب.

وعبر حزب فنستر (الاجتماعي –الليبرالي)، أكبر أحزاب المعارضة، والذي يتبنى موقفا متشددا خاصة بالنسبة لغير الغربيين من المسلمين، عن "خيبة الأمل" حيال إستراتيجية الحكومة.

من جانبه، اتهم حزب الشعب الدنماركي، الذي حقق نتائج هامة في الانتخابات الأوروبية، الحزب الاشتراكي الديمقراطي بالسعي إلى نسخ خطابه المناهض للهجرة أملا في كسب ود الناخبين بعد خيبة أملهم في سياسة اليسار.

وكان هذا الحزب قد دعم حكومة المحافظين السابقة لمدة عشر سنوات (2001-2011)، وهو صاحب مبادرة الإجراءات الأساسية المقيدة للهجرة المطبقة حاليا في الدنمارك.

ويطبق هذا البلد الاسكندنافي قوانين أكثر تشددا في أوروبا فيما يتعلق بالحصول على الجنسية وقبول اللاجئين أو التجمع العائلي.

وحسب أحد استطلاعات الرأي لصحيفة "يولاندس بوستن" المحافظة، فإن الدنماركيين يميلون حاليا نحو التصويت على حزب مؤيد لمراقبة أكثر صرامة لتدفقات الهجرة.

وحسب المصدر ذاته، فإن نحو 13 في المائة من الناخبين يميلون للتصويت لحزب سياسي يتبنى سياسة أكثر صرامة في مجال الهجرة مما هو الحال بالنسبة لحزب الشعب الدنماركي.

ومن أجل الرد على خطوة الاشتراكيين الديمقراطيين، اقترح هذا الحزب إجراء أكثر شعبوية بأن لا يستفيد طالبو اللجوء من التجمع العائلي إلا بعد الحصول على تصريح إقامة دائمة في الدنمارك، وهي عملية يمكن أن تستغرق نحو خمس سنوات.

وكان الحزب الشعبي قد حصل في الانتخابات الأوروبية الأخيرة على ثلث الأصوات ويمنحه آخر استطلاع للرأي نسبة 20 في المائة في الانتخابات التشريعية المقبلة، مقابل 13 في المائة في سنة 2011.

وقد طرحت في هذا البلد الاسكندنافي، المعروف بتجانسه، قضية حدود دولة الرفاهية، خاصة مع ارتفاع تدفق الوافدين الجدد منذ ثمانينيات القرن الماضي، رغم أنها تعتبر أقل بكثير من جارتيها النرويج والسويد.

ورغم ذلك فإن الإحصاءات الرسمية تشير إلى انخفاض مستوى الاندماج الاجتماعي للمهاجرين، وخاصة الجدد منهم.

وتؤكد منظمة أرباب العمل الدنماركية، التي ما فتئت تذكر بحاجة اقتصاد البلاد للمهاجرين الجدد، أن ثلاثة من أصل أربعة من المهاجرين الذين وصلوا في بداية القرن الحالي، عاطلون عن العمل بعد مرور عشر سنوات.

ويؤكد تقرير لمركز البحوث الاجتماعية أنه حتى الحاصلين على شهادات عليا من المهاجرين لا يزالون متخلفين عن سوق العمل.

وبفعل تشديد التشريعات المتعلقة بمنح اللجوء، ومع اعتماد تصريح الإقامة المؤقتة لمدة سنة واحدة، فقد انخفض عدد طالبي اللجوء بشكل كبير في هذا البلد الاسكندنافي.

وحسب الإحصائيات الصادرة عن وكالة الهجرة الدنماركية فإنه مقابل 3150 في شتنبر 2014 فإن 626 شخص فقط، نصفهم من السوريين، طالبوا بالحصول على اللجوء خلال السنة الجارية.

وتطفو مرة أخرى قضية الهجرة على سطح النقاش عشية الانتخابات، وهو ما يشكل فرصة لليمين الشعبوي لكي لا يتطرق للمجال الاقتصادي، خاصة أن استعادة النمو وتسجيل مؤشرات جيدة في مجال الشغل تشكل إيجابيات هامة بالنسبة للحكومة المنتهية ولايتها.

عمر عاشي، كوبنهاغن، وكالة المغرب العربي للأنباء

مختارات

Google+ Google+