قال مصطفى الشنضيض، رئيس المجلس الإسلامي المغربي في اسكندينافيا، إن تأسيس المجلس سنة 2008 قد عرف تضمين أهدافه رفع الوعي لدى الجالية المغربية باسكندينافيا، ومساعدة الأفراد المنتمين لصفوفها على الرجوع إلى الذاكرة التاريخية والوطنية والحضارية لبلدهم المغرب.
واعتبر الشنضيض، ضمن لقاء مع هسبريس سينشر موثقا بالصوت والصورة على حلقات، أن اشتغال المجلس الإسلامي المغربي باسكندينافيا يتم على مستويات، منها مؤتمرات تطرح الأمور المهمّة، إلى جوار العمل على الجانب التربوي بشاكلة رحلات للشباب تقودهم نحو الوطن، إلى جانب تنقلات صوب دول أوروبية أخرى، وكل ذلك، يقول رئيس المجلس، لـ "محاولة رفع الناس إلى مستوى آخر من التفكير بشكل أفضل، بعيدا عن موجة التشدّد، وبحرص على التوجيه نحو الوسطية والاعتدال والتسامح، باعتبارها من ثوابت الدين الحنيف".
مغاربة وآخرون
وقال مصطفى بن عبد الرحمان الشنضيض لهسبريس إن الأرقام الرسمية تفيد بكون تعداد المغاربة في اسكندينافيا كلها لا يجعلهم يتعدّون 50.000، من بينهم 17 أو 18 ألفا بالدنمارك، لتكون جاليات أخرى هي الأكثر كمّا، كالجاليات التركية والباكستانيّة والعراقية والصوماليّة، وبالتالي يشهد كل مسجد تلاقيا وتلاقحا وتآثرا.. "اعتبار المغاربة كأقلية، وسط هذه الأقليات، لا يدفع إلى العمل بمعزل عن الآخرين.. الأهم هو أن يكون الجانب المغربي حاضرا"، يفيد رئيس المجلس الإسلامي المغربي الاسكندينافي.
كما يضيف: "لا يمكن تعميم الكلام عن المسلمين بشكل عفوي لأنهم أطياف وخبرات، وطاقات وتجمعات، منهم من سبق ومنهم من لم يصل بعد، ومنهم من فهم الدور ومنهم من لم يفهم بعد.. وعموما؛ كثير منهم، وإن كان يعيش الحاضر إلاّ أنه يعيش في أحضان الماضي.. لم يطور آلياته ولم يستحضر آليات جديدة للتعاطي مع الواقع، وإن كان يعيش في أوروبا فهو، ربما، يعيش في الشرق الأوسط أو في جهة أخرى.. فلم يأخذ من الماضي الطاقة التي تدفعه كي ينتج في المستقبل..".
ويقرّ ذات الأستاذ الشيخ بوجود "أزمة تفكير ورؤية" وهو يعلن، خلال لقائه بهسبريس وسط العاصمة الدنماركيّة كوبنهاغن، عن توفر "أزمة تخطيط في المراكز الإسلاميّة بالرغم من التوفر على طاقات كثيرة"، مرجعا ذلك إلى ما تعرفه من بعثرة تجعلها محتاجة إلى من يقدم على جمع شتاتها حتّى يتحقق الوعي بالدور ويعمل الجميع من أجل تحقيق أوضاع أفضل، ويسترسل: "نحن مجامع فقهية كثيرة، لكنّ أين مجمعنا الاقتصادي؟ وأين مجمعنا الإعلاميّ؟ وأين مجمعنا الثقافي والفكري والمعرفي العلميّ؟.. كل منّا في مكانه يعمل، لكن تجد، أحيانا، أننا لم نتحرك من مكان الانطلاق بعد".
التطرف والدبلوماسية الدينيّة
"اسكندينافيا عرفت وفود العائدين من أفغانستان، ويقترن المعطى بمن فرّخوا أفكارا غير منسجمة مع الواقع الأوروبيّ بالمرّة.. فالساحة قد كانت فارغة بنهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات، ولم يكن هناك الانفتاح المعرفي والمعلوماتي المعاش اليوم، ما ساهم في استقطاب هؤلاء لعدد من الشباب نحو تنظيمات ذات توجهات نحو العنف والاصطدام، بعيدا عن التعايش والسلم.." مواصلا: "نواجه موجة كبيرة من التطرف الفكري الذي يخلف، من الناحية الأخرى، تطرفا لدى الغربيّين.. ونحن نروم الخط الثالث الذي يهدف إلى تجميع الجميع.. من يلتحقون بداعش لم تخلُ منهم أي دولة في أوروبا ولا في العالم، وما علينا إلا أن نربّي جيلا أفضل من هذا الجيل في الوعي برسالته، والقيمة التي يحققها التواجد في أوروبا".
كما يعتبر الدّاعية الكاتب ذاته، في لقائه مع هسبريس، أن "كل من يسوق الناس إلى هدف لا بد أن تكون لديه إيديولوجيا معينة"، ويزيد: "لا يوجد ما هو أوسع من الدين كي يقوم الناس بأدوارهم على مستويات كثيرة، وبالتالي يمكن للدين أن يلعب دورا كبيرا، بغير الساسة والدبلوماسيين الذين لا يمكن أن يصلوا إلى كل فرد في المجتمع، ما يمكّن الداعية للدين، أو المتديّن به إن وعَى بالمرحلة أن يلعب دورا دبلوماسيا موازيا للدبلوماسية الرسميّة.. فالفقر، على سبيل المثال، ليس هو الذي يصنع التغيير وإنما الوعي به.. كما أن الدين ليس هو الذي يصنع التغيير وإنما الوعي به هو الذي يمكن أن يقدم دفعة للانطلاق إلى مستوى آخر من التفكير والتأثير".
تكوين الأئمّة وفوضى الإفتاء
يرَى الشيخ مصطفى الشنضيض، أيضا، أن الإقبال الدولي على النموذج المغربي لتكوين الأئمّة يعد إبرازا لوجود "وعي بأن هذا النموذج هو الصالح للقيادة المعرفية الدينيّة في المستقبل" وفقا لتعبيره الذي يرد ذلك إلى "كون التدين المغربي متصالحا مع أهله وذاته ومن يعتنقه"، ويواصل ضمن حديثه المصوّر: "الطريق الصوفي المعتدل السني لم يفرز، أبدا، من يبصمون على تفجيرات.. والمذهب المالكي هو مقاصدي، كما أنه حضر في أوروبا لثمانية قرون، ويراعي مسألة المصلحة المرسلة إلى جوار الأعراف، كما يراعي الخلاف والخروج منه..".
أما بشأن "فوضى الإفتاء" التي استفسرته بخصوصها هسبريس قال الفقيه إن "المشكل ليس في النصوص المجرّدة في الأذهان، فالناس كلها تحفظ الآيات، لكنها في تنزيل هذه النصوص على الوقائع الموجودة"، كما كشف أن عددا كبيرا ممن يقبلون على الإفتاء يغيب عنهم "تنقيح المناط".. ويفسّر: "شبابنا ينقلون الفتاوى من وراء البحار، بعدما قيلت لأناس آخرين في ظروف معينة، ويأتون لتعميمها.. وبالتالي ينبغي على الذي يُستفتَى أن يكون أحصف من الذي يستَفتِي.. وأن يردّ الناس على أهلهم في بلدهم..".
وذكر الشنضيض أن "العلاّمَة Google" قد أضحى، مع الطفرة الرقمية المعاشة اليوم، ينوب عن الجميع بعد أن غدا الكِبْر يمنع الناس من السؤال، "يتم الأخذ بأول جواب على النِّت بالرغم من أن المسألة أعمق من ذلك بكثير.. لكنّ الشخص نفسه لا يقبل على محرك البحث في الإنترنيت حين يمرض ابنه، وإنما ينقله إلى الطبيب" وفق الأستاذ مصطفى.
الحركات الإسلاميّة والعلمانيّة
يورد الشيخ مصطفى بن عبد الرحمان الشنضيض، في اللقاء الذي سيعرض على أجزاء ضمن ركن "صوت وصورة"، أن "الحركات الإسلامية والتيارات قد اكتملت أفكارها، وتوقفت عن الإنتاج لصيغة مستقبلية ترتضيها قبل أن تقنع بها غيرها"، وزاد أن الحديث عن الإسلام السياسي يقتضي وجود برامج في الاقتصاد، مثلا، أو لمعالجة البطالة، أو غير ذلك.. "لكننا رأينا تجارب لم تكن ناضجة بالشكل الكافي، وتعيش في أدبيات الماضي المقترن بالستينيات وحتّى العشرينيات من القرن الماضي، بالرغم من أن مؤسسي هذه الحركات لم يدعوا الكمال وإنما أخذوا في البحث عن أجوبة عمّا سرى في عهودهم" بتعبير المتحدّث نفسه.
ويزيد الشنضيض: "عندما وفد الاستعمار بإمكانياته كان ذلك صدمة للجميع، وهو ما دفع للبحث عمّا توفر للآخر.. وحين يقولون، بحضوري، إن الخلافة قد سقطت؛ أجيب بأن ذلك قد تم في الشرق، بينما ما تزال الخلافة مستمرّة بالغرب الإسلامي مع الدولة العلويّة.. وهنا أقول إنّه ينبغي التفريق بين المقدّس والمقدّر حتى يكون الإنسان حرا وقادرا على إنتاج أفكار جديدة تبحث عن أجوبة للأسئلة الحاليّة، مع طرح أسئلة لما يمكن أن يحدث في المستقبل".
ووفقا لتقييم مصطفى بن عبد الرحمان فإن الحركات الإسلامية ليست على درجة واحدة بوجود من هي ناضجة أكثر من غيرها، وتوفر تجارب قد نجحت في جهة دون أخرى.. ويواصل رئيس المجلس الإسلامي المغربي في اسكندينافيا: "حتى إن قالت: نحن جماعة من المسلمين ولسنا جماعة المسلمين؛ فإن التصرف والعمل يجعل المنتمين للحركات الإسلاميّة يوحون بأنهم الحق وغيرهم الباطل، وقد خرج بعضهم انتخابيا يقول: اللهم نصرك الذي وعدتنا؛ وكأنهم ينافسون كفارا لا أناسا يبحثون، هم أيضا، عن حلول لتسيير الشأن العام".
العلمانيَة
لا مفر من الدولة المدنيّة لتسيير الشأن العام لأن الأمر يتعلق بتعاقد أصله قول الله: "وأمرهم شورى بينهم".. يورد الشنضيض قبل أن يضيف: "عند غزوة بدر الكبرى؛ وقف النبيّ ينتظر بعد أن خرج المهاجرون معه، إذ إن الأنصار وعدوه بالدفاع عنه داخل المدينة، والمعركة لم تكن ضمن البيعة التي هي اتفاقية ومعاهدة جامعة للطرفين؛ أي إنها لم تكن في التعاقد بين الشعب والرئيس، فكان أن قال له سيدنا معاذ: والله لو خضت بنا هذا البحر لحضناه معك.. وهنا اطمأنّ.. ولو كانت القيادة دينية منذ البدء لانطلق النبي بالكل دون أن يستشيرهم، لأنه يتوفر على وحي من الله".. كما صرّح الشيخ بأن تسيير الشأن العام مدني بامتياز، إذ إن "وثيقة المدينة" دليل على ذلك.
ويدفع الشنضيض بكون الطريقة التي اختير بها أبو بكر الصديق لتولي الخلافة تختلف عن الطريقة التي اختير بها الخليفة عمر بن الخطاب، وكذا كيفيّة اختيار عثمان بن عفان ونظيرتها لحكم علي بن أبي طالب، ليخلص على عدم توفر نصوص تحدد كيفية القيام بذلك، ما يعني تركها للتجربة الإنسانيّة وما تحقق من تراكمات للخبرات.. "شخصيا أرى أن الحل هو القانون، أي الدولة المدنيّة التي توحّد الجميع، وعلى سبيل المثال فإن بلدا كالدنمارك لو كان دولة مسيحيّة لما كان لي فيها وجود، ولا كان لأي دين الحضور فيها ولأنها علمانية سمحت لي ببناء مسجد والتعبير عن رأيي وأكتب في الصحف وأنشر الكتب وأن أفعل ما أشاء"، يقول الشيخ.
ولهسبريس يقول أيضا: "تتبقى مسألة في البنية العلمانية ينبغي أن تتحقق في اقترانها بتخليق القوانين وجعلها تتجه نحو الرحمة والعدل، وهذا يتحقق بالتجربة، إذ يمكن أن يتم الخطأ في تقنين شيء بشكل يغيب عنه تحقيق الإنصاف.. والتجربة التركية، كنموذج، عرفت إعلانها علمانية منذ البداية، وبها نجح أردوغان بالرغم من ميوله لما هو إسلاميّ، تماما مثلما نجحت أنجيلا ميركل في ألمانيا، كما تم النجاح بماليزيا والدنمارك، وهذا لا يقترن بسر أو وحي وإنما يتصل بنظافة اليد وحسن التخطيط والإخلاص".
الشريعة وحرّيّة المعتقد
"الله يمدح العالمين وأولي الألباب.. وحين يتعهد رئيس دولة، أو رئيس حزب، بالقضاء على الأمية؛ فإنه يعمل على تطبيق روح الشريعة.. والدين جاء لإقامة العدل، ما يجعل سن قوانين لإقامة العدل تطبيقا للشريعة.. وإذا وزِّعَت الثروات وأطعم الجوعى ووصلت المنشآت الصحية للمواطنين فكل ذلك تطبيق للشريعة، مثلما تشغيل العاطل وتمكين الشباب من الزواج هو تطبيق للشريعة.. فهذه الخدمات الاجتماعية هي صلب ما جاءت به الشريعة، فعن أي تطبيق يقصد من غير ذلك، إلاّ إذا كان المعني هو الحدود؟.." يقول رئيس المجلس الإسلامي المغربي في اسكندينافيا.
ويفسّر الشيخ الشنضيض: "سيدنا عمر لم يطبق حد السرقة في عام جفاف لأن السرقة أصبحت ظاهرة وقتها، كذلك سيدنا عليّ الذي امتنع عن القصاص ممن قتل عثمان حقنا للدماء وتهدئة للأوضاع.. ومنها فإن الظواهر تحتاج معالجة عبر التوعية، وإقرار نظام تربوي يبعد الناس عن الرذائل بمجملها، ويقربهم من الطاعات.. وهنا ينبغي على العلماء الاجتهاد في التنزيل، ليس لأن النصوص لم تعد صالحة، وإنما لأن المجتمع لم يعد صالحا لتنزيل الحكم عليه، كما أنّ قاعدة تنص على أن الحكم يرتفع بارتفاع مناطه، والحكم يدور مع علّته وجودا وعدما".
أما بشأن حرية المعتقد فقد قال المتحدث ضمن لقائه مع هسبريس إن هناك فرقا بين الأمر بالشيء والإكراه عليه، وواصل: "الإنسان ليس حرا في أفعاله بجميعها لأن الله أمره بالإيمان، لكنّه لم يكره الناس على الاستجابة لهذا النداء، بل ترك المسألة للإنسان وتقديره.. ويبقى دور المسلم مرتبطا بالتذكير والتوعيّة، فيما العقوبات تكون أخرويّة، من الله، لمن لم يؤمن.. ولا وجود للإكراه؛ لأن لكل حريته في الاستجابة لنداء الله".
الشيخ الشنضيض يرى أن كل ما يرتبط بحرية المعتقد يتناقض مع إقامة حدّ الردّة، ويكمل في هذا الإطار: "المسألة ينبغي أن نفهمها في سياقها؛ وبصحيح البخاري أن أعرابيا جاء إلى رسول الله لمبايعته على الإسلام، فلما دخل المدينة ولم يعجبه الامر عاد إلى النبي كي يرد عليه البيعة، ولم يتم إعطاء أي أمر بقتله.. وكما قال ابن الطلاّع فإن النبي لم يثبت أنه قتل مرتدّا قط".