في ظلّ اتّساع الهوّة بين أتباع الديانات السماوية، وما يوازيه من تنامي العداء لـ"الآخر"، التأم بالعاصمة الرباط ثلة من رجال الدّين اليهود والمسيحيين والمسلمين، في ندوة دولية نظمها مركز البحث والتكوين في العلاقات بين الأديان، التابع للرابطة المحمدية للعلماء.
سفيرة كندا بالمغرب ناتالي دوبي، دعت في كلمتها إلى التركيز على القيم المشتركة، الدينية والثقافية، لمدّ جسور الحوار بين أتباع مختلف الديانات، ومحاربة العنف والتطرف، معتبرة أن المنعطف الذي يمرّ منه العالم اليوم "يتطلب منا خلق مجتمع سلمي نتعايش فيه جميعا".
في السياق نفسه، قالت أسماء المرابط، رئيسة مركز الدراسات والأبحاث في القضايا النسائية في الإسلام، إن "الاضطرابات التي يعرفها العالم تقتضي إيجاد القواسم المشتركة بين البشرية، وتعزيز الحوار والتعايش، لمواجهة خطاب العنف الذي تغذّيه الإيديولوجيات المتطرفة".
وفي مداخلته، أشاد روبرت جوي، سفير الاتحاد الأوروبي المعتمد بالمغرب بالجهود التي تبذلها المملكة لتعزيز الحوار بين الثقافات والأديان، والتشجيع على الوسطية والاعتدال، لافتا إلى أنّ إعلان مراكش الأخير يحث على ضرورة التعايش بين مختلف الأعراق على وجه الأرض، كما دعا إلى توفير الحماية للأقليات الدينية، التي قال إنها تعاني من التضييق في ما يتعلق بحرية المعتقد.
وضمّت منصة الجلسة العلمية الأولى، التي اختير لها عنوان "مفهوم التعايش والتعارف في النصوص الدينية"، (ضمّت) ثلة من رجال الدين اليهود والمسيحيين والمسلمين. وقال الحاخام جاكي الصّباغ، مدير مدرسة واحة السلام بالدار البيضاء، إن "المغرب بلد يُحتدى به في التعايش والتسامح واحترام الآخر، ويهتم بجميع الديانات وبقبول الآخر وإن كان مختلفا".
وقدّم الحاخام جاكي الصّباغ مجموعة من النصوص من التوراة، تحث على التعايش والتسامح، قائلا: "هذه النصوص الدينية تدعو إلى عدم اعتبار الآخر شخصا أجنبيا، بل التعامل معه على أنه من نفس عرقك"، مضيفا: "الأجنبي يتم التعامل معه بالطريقة نفسها في كل الثقافات، لكن على الإنسان أن يعرف أنه لا يعيش لوحده في العالم، بل هو فرد من البشرية".
رئيس الأساقفة الكاثوليك بالرباط، المطران فانسان لانديل، والذي قدم كلمة باسم الكنيسة الكاثوليكية، أكّد أن الناس جميعا سواسية. "فليس هناك أنواع من البشر أمام الرب، وإنما كل إنسان هو إنسان في نهاية المطاف، والأديان كلها سبيل للبحث عن الرب من خلال المعتقدات والثقافات"، يقول المتحدث ذاته، مضيفا أن "الحوار بين الأديان شرط أساسي ليعُمّ السلام".
من جهته، استعرض يوسف الكلام، وهو أستاذ مقارنة الأديان بمؤسسة دار الحديث الحسنية، جملة من الآيات القرآنية المؤسسة لمفهوم التعايش مع غير المسلمين. وقال المتحدث إن القرآن "الذي أضحى اليوم موضع اتّهام"، كان أوَّل مبدأ أسسه هو تكريم الإنسان، وأن أصل البشرية واحد.
واستدلّ المتحدث بآية: "ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البرّ والبحر، ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممّن خلقنا تفضيلا"، مشيرا إلى أنها تعني البشرية جمعاء وليس المسلمين وحدهم. واستطرد المتحدث بأن القرآن يتضمن عشرة مبادئ تؤسس لمفهوم التعايش، وسارت على المنوال نفسه السيرة النبوية، وكذلك الصحابة.
كارين سميث، قسيسة محلقة بجامعة الأخوين بإفران، وممثلة الكنيسة البروتستانتية بالمغرب، قالت إن "ندوة مركز البحث والتكوين في العلاقات الدولية سيكون لها أثر إيجابي في مختلف أنحاء العالم وليس في المغرب فحسب"، منوّهة بالتوجّه الذي تبنّاه المغرب في مجال إصلاح الحقل الديني.
وأضافت القسيسة كارين سميث: "من غير المقبول أن تكون لنا عداوة مع الآخر. يجب علينا أن نتعايش ونحبّ بَعضنا.. لا خيار لنا غير ذلك. وعلى الشخص ألا يعيش لوحده، بل بشكل إيجابي ومتناغم مع الآخرين الذين يعتنقون ديانات أخرى. يجب أن نُحب الآخرين حتى ولو كانوا أعداءنا، وعلينا أن نتغلّب على الشر وألا نترك له الفرصة ليتغلب علينا".
ووجّه القسّ مدحت صبري، عن الكنيسة الأنجليكانية بالدار البيضاء، رسالة مؤثرة إلى أتباع الديانات السماوية، قائلا: "نحن مختلفون، وهناك اختلافات بين أتباع الديانات الواحدة، لكن لماذا نبدأ دائما بالاختلاف؟ يجب علينا أن نبدأ بما هو مشترك بيننا، والأمور التي نحن متفقون عليها لخلق أرضية مشتركة، وآنذاك سيتأتّى لنا الحديث بهدوء لنصل إلى مفهوم يجعلنا نعيش في سلام".
واعتبر القس مدحت صبري أن الاختلاف لا يجب أن يكون مصدرا للعنف، بل مصدرا للغنى الفكري المشترك. "علينا أن نأخذ كل هو جيد من الآخر ونترك ما هو سلبي، فالفرق بين الإنسان وباقي الكائنات هو العقل"، يقول المتحدث ذاته، مضيفا: "على كل واحد منا أن يمنح الحبّ للآخر، ليكسب قلبه، وساعتها سنعيش بسلام. أَعْطِ حبًّا وسلاما بلا حدود.. أما رافضو التعايش فنقول لهم "حتْروحو من رَبَّنَا فين؟ سنلقى ربنا يوما وسيُحاسب كل واحد منا على أفعاله".