في "ساحة البورصَة" ببروكسيل، يشترك الجميع في الحزن على ضحايا التفجيرات الأخيرة، ولا يبدو أن هناك أي تمييز بين جنسية وأخرى، بل إن العلم المغربي يتوسط أعلام الدول المتضامنة مع أهالي الضحايا.
عدد من التذكارات المكتوبة بكل اللغات، وبينها العربية، تترحّم على الضحايا وتنتقد الإرهاب بكل أشكاله، دون أن يتدخل أحد ويقوم بأي تصرف مريب أو تلميح إلى وصم جهة بالإرهاب دون غيرها.
فجأة، يقتحم المشهد 600 شخص من المتطرفين اليمينيين، داعين إلى طرد "المهاجرين" باعتبارهم سبب الإرهاب؛ وهو الأمر الذي يجعل كل مغربي متواجد بالمكان أو بأوروبا كلها يشعر بأنه المستهدف بهذا الكلام وهذه الشعارات.
يعترف جل المغاربة بأن ساكنة بروكسيل عموما أناس طيبون وظرفاء، وقلّما تصدر عنهم تصرفات عنصرية، لكن مع ذلك فإن ارتباط العمليات الإرهابية بالمهاجرين عموما يجعل عددا من ردود الفعل تطفو على السطح.
مرحلة "المَـساج"
لقد بدأت مرحلة المَسَاج"، يقول زهير، ابن طنجة المقيم ببروكسيل، بروحِ مرحٍ عالية وهو يعلّق على الأوضاع في المدينة بعد التفجيرات الأخيرة بكل من مطار "زافنطم" ومحطة ميترو "ميلبي".
وعمّا يقصده بـ"المَسَاج"، يوضح زهير لهسبريس أنها عملية التفتيش الجسدية عن طريق تمرير راحتيْ اليد على الجسد، التي يخضع لها المهاجرون من طرف رجال أمن بروكسيل أثناء تنقلهم في "الترام" أو "المترو" أو أي وسيلة نقل أخرى.
ويضيف زهير: "في اليوم الثاني بعد التفجيرات، خضعت في طريقي إلى العمل للتفتيش ثلاث مرّات، ما نتج عنه تأخري، ناهيك عن الضغط النفسي وذلك الشعور بأنك مستهدف دون الآخرين".
ورغم أن عملية التفتيش يتم تعميمها على جميع الراكبين، إلا أن الشعور بالتمييز لا يخفى في كثير من الحركات، وهو ما شرحه لنا زهير قائلا: "البلجيكيون الذين يلبسون معطفا يتم تفتيشهم بشكل عاد، لكن المغربي أو العربي مطالب بفتح أزرار المعطف ليتم دسّ الأيادي داخله خوفا ممّا قد يخفيه!".
وإن كان زهير يواجه الأمر بغير قليل من المرح، كطريقة لتجاوز الأمر، فإن آخرين يتأثرون كثيرا بالأجواء العامة؛ وهو ما وصفه لنا فيصل مباشرة بعد التفجيرات قائلا: "لقد بدأ الضغط النفسي..بدأت النظرات المرتابة والتهرب من الجلوس بقربك، إضافة إلى اعتبار كل حقيبة نحملها مشروعُ لُغمٍ متفجّر".
أمّا "مراد.ص"، الذي يتنقل بحكم عمله بين الحدود البلجيكية الهولندية فيشتكي من المراقبة المشددة على السيارات القادمة من بلجيكا عموما، دون أن يشير إلى تمييز بين المغاربة وغيرهم.
أما بالنسبة للعمل فيقول: "إلى حدّ الآن لم أتعرض لمضايقات، كما أنني سأنتقل إلى عمل جديد قريبا.. أتمنى ألا يكون هناك تمييز قبل العمل أو لمزٌ بعد الحصول عليه".
ويواصل مراد: "الشباب البلجيكيون يحتكون معنا بشكل مباشر يوميا، لهذا هم متفهمون ولا يربطون إطلاقا بين جنسيتنا وبين ما يحدث، لكن الأمر يختلف قليلا مع المسنّين الذين يميلون إلى التعصب وإلى الآراء الجاهزة".
مضايقات ومواجهات
لكنّ "محسن.ع"، الذي يشتغل بأحد المعامل ويوشك على التقاعد، يؤكد أن هناك لمزا كثيرا يحدث في هذه الأيام العبُوسة، قائلا: "لا يحدث الأمر بشكل مباشر، لكنك تمر قرب عمال آخرين وتسمع كلاما بصوتٍ مرتفع عن "الإرهابيين"، فتفهم جيدا أنه موجه إليك، لكنك لا تستطيع الرد لأن الأمر سيتحول إلى مواجهة بالضرورة، لن تسفر سوى عن تأكيد أنك شخص عنيف ومستعدّ للانفجار في أي لحظة..لا نملك سوى أن نحني رأسنا حتّى تمرّ العاصفة".
من مدينة "أنتويرب" يؤكد "عبد الرحيم .س" أن الجوّ عاد عموما، لكن هناك الكثير من الاستفزازات وبعض المواجهات بين مجموعات مغربية وأخرى فلامانية، في ما يكاد يشبه حرب عصابات كلامية حيناً، ويدوية في بعض الأحيان.
المغاربة ذوو الطبع العنيف، يضيف عبد الرحيم، لا يطيقون التلميحات أو التصرفات التي قد تبدو عنصرية، فيواجهونها بالعنف اللفظي أحيانا، وحتى الجسدي، ما يرونه دفاعا عن انتمائهم ودينهم.
"من جانبهم، لا يتوانى حليقو الرؤوس بالمدينة عن المناداة بـ"قتل المسلمين" وليس طردهم فقط"، يوضح عبد الرحيم.
عددٌ من المغاربة، وخصوصا المتقاعدون، يفضلون في مثل هذه الفترات العودة إلى المغرب حتى تمرّ سحابة الصيف التي يتمنون أن تكون عابرة فعلا، ومن بينهم الحاجّ "محمّد.م"، الذي يستعد لركوب طائرة متجهة إلى المغرب هو وزوجته، من أجل قضاء شهر بمدينة طنجة حتى تهدأ الأوضاع.
"قد تطول المدة أكثر حسب تطوّر الأحداث. في سنّنا هذه لم نعد نطيق كلمة واحدة تحمل أي إيحاءات.. نريد أن نشعر بالراحة والسكينة، وبعد التفجيرات نفتقد مثل هذه المشاعر مهما ادّعينا العكس"، يقول الحاجّ محمد لهسبريس.