تم افتتاح 'النقطة الساخنة' الأولى لفرز المهاجرين وطالبي اللجوء في إيطاليا في شهر سبتمبر الماضي على جزيرة لامبيدوسا. وبعد سبعة أشهر، يقول النقاد أن هذا النظام يستبعد المهاجرين من أنظمة الاستقبال الرسمية ويشجعهم على الاختفاء في أوساط الاقتصاد غير الرسمي.
في ميدان صغير بمدينة كالتانيسيتا التي تقع على جزيرة صقلية، توجد مجموعة مكونة من 14 رجلاً نيجيرياً يرتدون ملابس رياضية زرقاء داكنة متطابقة وصنادل ويتناوبون على استخدام هاتف محمول في محاولة يائسة للاتصال بوطنهم حتى يخبروا أقاربهم أنهم على قيد الحياة، ولكنهم يعيشون في عوز شديد.
كانت قوات خفر السواحل الإيطالية قد أنقذتهم من البحر الأبيض المتوسط قبل أقل من 48 ساعة.
وقال تشكس إليكو البالغ من العمر 26 عاماً: "ملابس وأحذية جديدة: هذا كل ما أعطوه لنا قبل أن يرحلوا ويتركونا".
"لم نأكل شيئاً منذ أن وصلنا إلى هنا. ونمنا في العراء، على الأرض،" كما ذكر رجل آخر رفض الكشف عن اسمه. وقال أحدهم كان مستلقياً على دكة، بصوت هامس أنه يعاني من الملاريا والتيفوئيد: "أنا مريض ... أشعر بالبرد في كل جسدي ... لماذا لم نتلق أي مساعدة؟"
وبعد النزول من سفينة خفر السواحل إلى جزيرة لامبيدوسا، تم نقل الرجال إلى "النقطة الساخنة" التي تم افتتاحها في جزيرة سردينيا الإيطالية في أواخر عام 2015. وهناك، أُخذت بصماتهم وأجابوا على مجموعة أسئلة عن جنسياتهم وأسباب حضورهم إلى أوروبا. وقد أفاد ناشطون ومنظمات غير حكومية أنه يُطلب من الوافدين بشكل روتيني المشاركة في استبيانات ذات اختيارات متعددة لا تمنحهم سوى بدائل محدودة للإجابة على الأسئلة، بما في ذلك: العمل أو جمع الشمل مع أفراد الأسرة أو طلب اللجوء.
وقال إليكو والـ13 نيجيرياً الآخرين أنهم جاؤوا بغرض العمل وتم تصنيفهم بسرعة على أنهم مهاجرون لأسباب اقتصادية، مثل أكثر من 3,000 مهاجر من أصل الـ5,254 الذين دخلوا إيطاليا في الأسابيع الستة الأولى من هذا العام (وصل الآن ما يقرب من 20,000 مهاجر وطالب لجوء إلى إيطاليا ولكن أحدث الإحصاءات عن عدد الأشخاص الذين تم تصنيفهم على أنهم مهاجرون اقتصاديون غير متوفرة).
وقد صدرت لجميع هؤلاء الرجال أوامر رفض دخول مؤجلة، وهي تمنحهم سبعة أيام لمغادرة إيطاليا بوسائلهم الخاصة من مطار روما الدولي، الذي يبعد مئات الكيلومترات، عبر البحر الأبيض المتوسط. ثم تم نقلهم على متن قارب إلى مدينة أغريجنتو على الساحل الجنوبي الغربي لجزيرة صقلية وتُركوا هناك لتدبر أمورهم بأنفسهم. فاستقلوا قطاراً دون أن يشتروا تذاكر في محاولة للسفر إلى الشمال، ولكن المُحَصّل أمرهم بالنزول من القطار في المحطة التالية وهي كالتانيسيتا.
وهكذا انتهى بهم المطاف في وسط جزيرة صقلية ولم يتبق لهم سوى بضعة أيام يستطيعون قضاءها في البلاد بصورة قانونية قبل أن ينضموا إلى صفوف المهاجرين غير الشرعيين في إيطاليا.
وسيلة إقصاء
وقد بدأ الاتحاد الأوروبي يطبق نظام النقاط الساخنة في سبتمبر الماضي، أولاً في إيطاليا ثم في الجزر اليونانية، وذلك بهدف التمييز بين طالبي اللجوء والمهاجرين لأسباب اقتصادية في نقاط وصولهم الرئيسية. وتم تأطير هذا النهج الأكثر صرامة نحو فحص وأخذ بصمات الوافدين الجدد باعتباره أمراً أساسياً لنجاح خطة إعادة التوطين التي كان من المفترض أن تؤدي إلى توزيع 160,000 طالب لجوء من إيطاليا واليونان على الدول الأعضاء الأخرى خلال عامين. ولكن على أرض الواقع، تسير خطة إعادة التوطين بوتيرة شديدة البطء وترى جماعات حقوق الإنسان والدفاع عن المهاجرين والمنظمات غير الحكومية أن النقاط الساخنة الأربع الموجودة في إيطاليا - في تارانتو وتراباني وبوزالو ولامبيدوسا - تُستخدم في المقام الأول لضمان سرعة استبعاد أولئك المصنفين على أنهم مهاجرين لأسباب اقتصادية من نظام الاستقبال وحرمانهم من أي إمكانية للتقدم بطلبات للحصول على حق اللجوء.
وتفتقر إيطاليا إلى القدرة أو اتفاقات إعادة القبول اللازمة مع بلدان المنشأ لاحتجاز وإعادة أعداد كبيرة من المهاجرين لأسباب اقتصادية، كما تصور الاتحاد الأوروبي عندما اقترح تبني هذا النهج. وبدلاً من ذلك، يتم توجيه تعليمات للمهاجرين بالعودة بأنفسهم، ولكن من دون منحهم أية وسيلة للقيام بذلك.
وفي هذا الشأن، يقول فولفيو فاسالو باليولوغو، وهو محام وأكاديمي يدير مركزاً قانونياً في جامعة باليرمو، أنه وطلابه يقدمون مساعدات قانونية مجانية إلى حوالي 80 مهاجراً طعنوا في أوامر رفض الدخول؛ ومن بينهم باتش، وهو شاب من غامبيا في أوائل العشرينات من عمره، قابلناه في مقر جمعية أرتشي بوركو روسو، وهي إحدى المنظمات غير الحكومية المحلية التي تحاول مساعدة المهاجرين الذين تقطعت بهم السبل.
"وصلت إلى جزيرة لامبيدوسا في 20 أكتوبر. عندما سألونا لماذا أتينا إلى هنا، كنا خائفين ولا نزال مرعوبين من البحر ولم يكن أحد يريد أن يجيب. التقينا بممثلي مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ولكننا لم نتمكن من تقديم طلبات لجوء،" كما تذكر باتش.
وقد روى مهاجرون آخرون حصلوا على رفض دخول قصصاً مشابهة. فبينما أعطاهم مسؤولو المفوضية معلومات حول طلب اللجوء، فإن تحديدهم المسبق كمهاجرين اقتصاديين من قبل فرونتكس وضباط الشرطة منعهم من تقديم الطلبات.
ويقول باليولوغو: "لقد تم تنفيذ نظام النقاط الساخنة على نحو متعجل. لا يوجد أي أساس قانوني محدد. على المستوى الوطني، يعطي كل بلد بعض الأوامر لقوات الشرطة، في حين تكون حقوق اللجوء مكفولة دستورياً على المستوى الدولي. ينبغي أن يكون رد فعلنا هو مخططات قائمة على أساس القوانين، وليس على أساس الأوامر المعطاة للشرطة".
نظام فاشل
ويشير باليولوغو إلى أن نظام النقاط الساخنة لم يكن حتى في صالح أقلية من الوافدين إلى إيطاليا الذين يعتبرون مؤهلين للحصول على حق اللجوء. وتم نقل 530 طالب لجوء فقط من إيطاليا إلى الدول الأعضاء الأخرى، وفقاً لأحدث الإحصاءات الصادرة عن المفوضية الأوروبية.
ويشير إلى أنه قد تم احتجاز بعض طالبي اللجوء، ومعظمهم من الإريتريين، في النقطة الساخنة في لامبيدوسا لعدة أسابيع بعد رفضهم لمحاولة أخذ بصمات أصابعهم. ولأنهم لا يرغبون في الانتظار لعدة أشهر حتى يتم إرسالهم إلى بلد ليس من اختيارهم، فإنهم يريدون مواصلة رحلاتهم إلى دول شمال أوروبا لأن معظمهم لديه أقارب هناك.
ويضيف باليولوغو أن "إعادة التوطين ليست ناجحة وكذلك عمليات الطرد. إن الإعادة الجماعية تعني استثمار مئات الملايين من اليورو ولا أحد يعلم اليوم أي دولة من دول الاتحاد الأوروبي على استعداد لإنفاق هذا القدر من المال".
وبينما ينتظر باتش وغيره قرارات نهائية بشأن الطعون التي تقدموا بها، لا زالوا يعتمدون اعتماداً كلياً على جماعات محلية مثل أرتشي بوركو روسو لتلبية احتياجاتهم، وتدير تلك المنظمة مركز رعاية نهارية غير رسمي يمكن للمهاجرين الالتقاء بداخله والاستفادة من خدمات الواي فاي المجانية. وعلى بعد بضع دقائق سيراً على الأقدام، تقدم جمعية أخرى دروساً مجانية في اللغة الايطالية لمدة ساعتين يومياً.
وفي باليرمو، تستضيف مجموعة دينية تسمى الأمل والإحسان المهاجرين، وقد كانت في السابق توفر المأوى للمشردين في المقام الأول. وقد وصلت مراكز المؤسسة الخيرية الثلاثة بالقرب من محطة السكك الحديدية الآن إلى طاقتها الاستيعابية القصوى، وهي 1,000 شخص. "ينبغي على كل شخص تحمل المسؤولية والترحيب بهم،" كما يقول الأخ بياجيو كونتي، رئيس المجموعة الذي يشعر بالقلق لأن الوضع يزداد سوءاً يوماً بعد يوم.
في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي، زاد وصول المهاجرين إلى إيطاليا بنسبة 80 بالمائة تقريباً مقارنة بالفترة نفسها من عام 2015. ويمكن أن تكون إحدى نتائج إغلاق الحدود في منطقة البلقان والترحيل من اليونان إلى تركيا هي استخدام المزيد من المهاجرين واللاجئين لطريق وسط البحر الأبيض المتوسط الذي يربط بين ليبيا وإيطاليا بغرض الوصول إلى أوروبا.
من جانبه، يقول إراسمو بالاتسوتو، عضو البرلمان ونائب زعيم الحزب اليساري "اليسار والبيئة والحرية"، أن هناك حدوداً لما يمكن أن يفعله السكان المحليون وجماعات المجتمع المدني "لتعويض فشل الحكومة ونظام الاستقبال".
وأخبر شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أنهم "يعطون الملابس والضروريات الأساسية، ولكن إذا لم يتم اتخاذ إجراء، فإن الأشهر القادمة ستكون كارثية، ونخشى أننا سنواجه حالة طوارئ إنسانية لم يسبق لها مثيل".
وقد تم تكليف بالاتسوتو مؤخراً بالتحقيق في تنفيذ نظام النقاط الساخنة من قبل لجنة برلمانية. وكانت استنتاجاته واضحة: النظام الجديد يشجع المهاجرين على الاختباء. "إذا نظرنا إلى الأرقام الخاصة بالعام الماضي، وعدد المهاجرين الذين وصلوا إلى صقلية وبلدانهم الأصلية، يمكن اعتبار ما بين 30,000 و40,000 شخص مهاجرين لأسباب اقتصادية في نظام النقاط الساخنة الجديد، وهؤلاء يختفون بعد ذلك. وحتى إذا قمنا جميعاً بفتح بيوتنا، فلن يكون ذلك كافياً،" كما حذر.
ومن المقرر المضي قدماً في خطط افتتاح نقطة ساخنة خامسة في بورتو إمبيدوكلي خلال الأسابيع القليلة المقبلة، وفي الوقت نفسه، تدور حالياً مناقشات بشأن المكان الذي يمكن فتح نقطة ساخنة سادسة وأخيرة فيه.