في واحدة من ثمار عديدة أنتجها معهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات، الذي وضع غراسه أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس، قبل سنتين، تبرز تجربة تكوين المرشدات المنحدرات من دول إفريقيا جنوب الصحراء الرامية لتكريس النموذج المغربي في مجال تدبير الحقل الديني، وتعزيز دور المرأة في إشعاع قيم الوسطية والاعتدال في مجموع القارة.
ويقول مدير معهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات، السيد عبد السلام الأزعر، إن "التجربة المغربية في إدماج المرأة في تأطير الشأن الديني تعد رائدة بالنظر إلى الأدوار التي تقوم بها المرشدة في ترشيد الوعي الديني وتأطير الناس وتوجيههم نحو ممارسة دينية قوامها الثوابت الدينية العقدية والفقهية والسلوكية، ومدارها التيسير والسماحة والوسطية والاعتدال تحت ظل إمامة شرعية عظمى تجسدها إمارة المؤمنين".
وأكد السيد الأزعر في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أنه بفضل نجاح هذه التجربة وإشعاعها على المستوى العالمي، أصبحت العديد من الدول تطلب الاستفادة منها، مبرزا أنه في هذا الإطار، حل بالمعهد سنة 2015 أول فوج من الطالبات المرشدات من غينيا، وجاءت بعدهن طالبات من تونس ومن ساحل العاج ومن فرنسا ومن نيجيريا.
وحسب إحصائيات لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، فقد بلغ العدد الإجمالي للطلبة بمعهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات سنة 2016 ما مجموعه 961 طالبا 23 في المائة منهم من غينيا.
ومن ضمن هؤلاء الطالبات الغينيات، هناك حسنة انيان، وحليمة باه، وفطيماتو سوما، اللواتي عدن مؤخرا إلى بلدهن غينيا، رفقة 16 مرشدة و95 إماما، بعد سنتين قضينها في المغرب تخرجن إثرهما من معهد محمد السادس، ليضطلعن بمهمة "سفيرات فوق العادة" للنموذج المغربي ذي الريادة في الترويج لقيم التسامح والحوار وصد محاولات الإساءة لصورة الإسلام الذي ارتضاه الله لعباده، مسلحات بما تلقينه من علم ومهارات في الوعظ والإرشاد بالمملكة.
وتقول حسنة إنيان، التي سبق لها أن راكمت رفقة زميلاتها تجربة غنية في تدريس علوم الدين واللغة العربية، والتوعية الدينية في الإذاعة والتلفزيون الغيني وكذا إرشاد الحجاج قبل قدومها للمغرب، إن "تجربتنا في معهد محمد السادس للأئمة المرشدين والمرشدات مكنتنا من تعزيز معارفنا، وتملك مهارات التواصل.. لقد درسنا مواد جديدة انعكست إيجابا على مستوانا، وعززت قدراتنا على إعداد البرامج الدينية".
وتضيف في تصريح للوكالة أن التجربة المغربية في مجال تدبير الحقل الديني أصبحت بمثابة نموذج يحتذى على مستوى العالم، مسجلة أن "كل الدول الآن تسعى إلى الاستفادة من تجربة المغرب، فقد احتككنا في المعهد بطلبة من مالي ونيجيريا وتونس وكوت ديفوار".
وحسب السيدة حسنة، فإن التحدي المطروح أمامها وزميلاتها هو تحدي "تسليح الفتاة الغينية بالعلم، وتمكينها من الولوج للمدارس، وكذا تحدي قلة الأطر الغينيات المنفتحات المتخصصات في علوم الدين"، مؤكدة أن "جيش المستفيدين والمستفيدات من تكوين المعهد والبالغ عددهم 500 إمام ومرشدة غينيين، سيعمل ما في وسعه لنقل وإشاعة النموذج المغربي القائم على المذهب المالكي والتصوف السني والعقيدة الأشعرية".
وفي تصريح مماثل، تؤكد حليمة باه، التي اشتغلت أيضا على مدى سنوات في تدريس العربية وعلوم السيرة والحديث في بلادها، أن "التكوين الذي تلقيناه في المغرب كان متميزا".
وأبرزت حليمة أن "مقامنا بالمملكة مكننا من الاحتكاك بتجربة ناجحة في مجال تدبير الحقل الديني، وإضافة إلى ما تلقناه في علوم الشريعة، تمكنا من تعزيز مستوانا في اللغات الأجنبية، وتلقينا حصصا في مجال المعلوميات، وكلها أمور تساعدنا على الاضطلاع بوظيفتنا بشكل جيد".
أما المرشدة الحاجة فاطمتو سوما، فأكدت أن "كلمة (غينيا) تعني في الاساس (المرأة) باللغة المحلية، والمرأة قسيمة الرجل في البلاد"، مؤكدة أنه "سنساهم بدورنا في إشاعة ما تلقناه في المغرب من دروس الوسطية والاعتدال"، في أفق أن "نترك لنا بصمة قبل الممات".
ولم تتردد سوما في توجيه الشكر للمملكة "التي كان مقامنا فيها طيبا، في وقت كان العالم كله يطردنا بسبب أزمة فيروس الإيبولا". كما لم تجد ما تمدح به المغرب أفضل من أبيات مقتطفة من قصيدة للأستاذ محمد لامين ديابي من النيجر، يقول فيها عن المملكة:
"المغرب الأقصى محط مطيتي ** ومحط آمال الجموع الوفد.
في ظل عاهله المعظم شأنه ** في ظل ملك بالإله مؤيد.
السلم والإسلام شيمة أهله ** جبلوا على كرم الضيافة واليد
بلد المعارف ما أتاه طالب ** إلا ارتوى من نبع أطيب مورد".
هذا الارتواء من نبع المعرفة بالمغرب سبق لجمهورية غينيا أن عبرت في طلب تقدمت به للملكة رغبة في تكوين عدد من أئمتها في معهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات.
وكان عبد الكريم جوباتي، الأمين العام للشؤون الدينية في جمهورية غينيا (بمثابة وزير)، أكد في تصريح للوكالة أن وجود العنصر النسوي في قائمة المستفيدين من التكوين بمعهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات، يكتسي أهمية بالغة، "حيث ننتظر منهن الكثير في مجال الوعظ والإرشاد" إلى جانب إخوتهم الرجال بل وأكثر.
وفي تعليقه على تجربة تكوين المرشدات الغينيات في المغرب، يقول السيد الأزعر، إنهن كن "يعرفن الهدف الذي جئن من أجله، كما يعرفن جيدا المسؤولية التي تنتظرهن عند الرجوع إلى بلدهن. وقد ظهر هذا جليا في التزامهن وانضباطهن وسلوكهن المتميز"، مشددا على "النضج الفكري والشرف السلوكي لهؤلاء المرشدات اللائي تركن نموذجا يحتذى لكل الطالبات المرشدات اللائي سيلتحقن بالمعهد مستقبلا".
وحسب السيد الأزعر، فإن التكوين الذي يقدمه المعهد "يرمي إلى تخريج مرشدات لهن من العلوم الشرعية والإنسانية والمعارف الصحيحة والواضحة والدقيقة ما يحتجن إليه في أداء مهامهن، ولهن من الخبرات والتجارب والمهارات ما يساعدهن على بيان نموذج التدين الوسطي المعتدل للناس، بالحكمة والموعظة والقدوة الحسنة وبالقدوة (..) ليصبحن بذلك عناصر إيجابية في البلد الذي ينتمين إليه".
وأبرز أنه ولتحقيق ذلك "يعمل جميع أساتذة التكوين بالمعهد على تصحيح المفاهيم الإسلامية الكبرى كالجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والولاء والبراء والشورى والسلفية، وغيرها من المفاهيم الإسلامية التي قصدت بغير مقاصدها، وأصبحت منطلقا للفكر المتطرف الإرهابي".
وخلص الأزعر إلى القول إن "المرشدة التي يرمي المعهد إلى تكوينها عنصر إيجابي في مجتمعها، تحب الخير لوطنها ولمواطنيها جميعا، مسلمين وغير مسلمين، تخدم، بالحوار الجاد والمعرفة الصحيحة. سلاحها في ذلك فهمها الصحيح للإسلام، وتدينها الوسطي المعتدل المبني على عقيدة سليمة لا تكفر أحدا من المسلمين، ولا تقصي أحدا من أفراد المجتمع مهما كانت ديانته".
ويبدو أن هذا الرهان الذي رفعه المعهد يجد طريقه للنجاح تدريجيا، وهو ما يظهر جليا في تصريحات خريجاته من المرشدات الغينيات اللواتي يطمحن إلى الإسهام من موقعهن في إشاعة النموذج المغربي الرائد في تدبير الحقل الديني، والترويج لإسلام التسامح والسلام والاستقرار، وقطع الطريق على دعاة الإرهاب باسمه مصداقا لقول الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام "يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ».
عن وكالة المغرب العربي للأنباء