أجمع باحثون جزائريون و أجانب يوم الخميس بوهران على ضرورة تثمين عمل عبد المالك صياد (1933-1998) مؤسس سوسيولوجيا الهجرة و الاغتراب لفهم أحسن لميكانزمات ظاهرة الهجرة التي كرس لها كل حياته.
و أعلن المشاركون في مائدة مستديرة نظمها المركز الوطني للبحث في الانثروبولوجيا الاجتماعية و الثقافية لوهران (كراسك) بالتعاون مع المركز الثقافي الفرنسي عن مشروع يهدف في الأساس إلى التعريف في الجزائر شكل أحسن بالتراث الأرشيفي الذي تركه هذا المفكر الجزائري النابغة عبد المالك صياد. و تطمح هذه المبادرة فعلا إلى إعداد برنامج تبادل بين باحثي البلدين في المجال و توفير أعمال هذا المفكر لصالح الجامعات الجزائرية مع ترجمتها إلى اللغة العربية.
كما تم اقتراح خلال هذا اللقاء إنشاء قاموس لمقولات عبد صياد لفائدة الطلبة و كذا تنظيم ملتقى دولي في الجزائر حول هذا الموضوع.
و سمح هذا اللقاء الذي يعتبر حسب المنظمين الأول من سلسلة مواعيد فصلية بوهران حول مخزون عبد المالك صياد للمنشطين بالتأكيد على أهمية هذه الشخصية ضمن المجتمع العلمي. و شارك في المائدة المستديرة كل من تسعديت ياسين من مدرسة الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية (فرنسا) و ايف جامي مدير التكوين المهني بجمعية فرنسية لإدماج الشباب في حالة خطر و كلودين شولي أستاذة بقسم علم الاجتماع بكلية العلوم الإنسانية و الاجتماعية بالجزائر العاصمة. و سلطت مداخلاتهم التي تابعها حضور غفير من طلبة و أساتذة الضوء على كثافة الأرشيف الذي تركه هذا المفكر بالميدياتيك الذي يحمل اسمه و الذي تم تدشينه في مارس 2009 بالحي الوطني لتاريخ الاغتراب (فرنسا).
و حسب ايف جامي الذي يشرف على تكوين الشباب في الأرشيف قاموا بجرد رصيد عبد المالك صياد فان عمل عالم الاجتماع الجزائري يتميز بطبيعته المتقطعة و يتضمن 90 مقالة مجموعة في خمسة كتب و العديد من الوثائق تقدر ب 420 علبة أرشيف و مخطوط متشكلة أيضا من صور و تسجيلات صوتية أنجزت لاحتياجات أبحاثه. و قالت تسعديت ياسين بأن الرجل كان قد شرع في أعماله في فرنسا في الستينيات في مرحلة كانت فيها قضية الاغتراب غائبة تماما عن النقاش العام بهذا البلد مؤكدة في هذا السياق على كون هذه المهمة جد صعبة بالنسبة لعبد المالك صياد الذي عاش في ظروف هشة للغاية على الصعيدين المادي و الصحي كونه أجريت له 14 عملية جراحية و دخل المستشفي للعلاج ما لا يقل عن 40 مرة.
و قد عاش فقيد علم الاجتماع في ظروف جعلت منه في آن واحد فاعلا و مادة حيث انه لم يتحصل على عمل دائم باستثناء بعض الفترات التي وظف فيها بمدرسة الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية بفرنسا و تكليفه بمهام لدى منظمة الأمم المتحدة للعلوم و الثقافة (اليونسكو ) كما أضافت ذات المتدخلة. و من جهتها لاحظت الأستاذة كلودين شولي بأن أعمال عبد المالك صياد يجب ان تستغل و تستكمل بأبحاث أخرى من أجل فهم أحسن للظاهرة كما هي معاشة في يومنا هذا من خلال المهاجرين غير الشرعيين المعروفين بتسمية "حراقة". و تم بالمناسبة اقامة نشاطات فنية حول الموضوع منها عرض فيلم فيديو من إمضاء صادق رحيم الذي يعالج من خلاله ترصد المرشحين للهجرة السرية للبواخر و ديابوراما للمصور "برينو سيرالونغ " حول مهاجرين يبحثون بأي ثمن الالتحاق بانجلترا مرورا بفرنسا و كذا استعراض مشروع مسرحي حول "الحرقة " من طرف فرقة محلية. زاول عبد المالك صياد الذي ولد في سنة 1933 بسيدي عيش بولاية بجاية دراسته الابتدائية و الثانوية بنفس الولاية قبل متابعة تكوين كمعلم بمدرسة المعلمين لبوزريعة بالجزائر العاصمة . و واصل دراسته بجامعة الجزائر أين تعرف على عالم الاجتماع الفرنسي الشهير "بيار بورديو " (1930/2002) و بعدها استقر بفرنسا و انضم إلى مركز علم الاجتماع الأوروبي ثم المركز الوطني للبحث العلمي أين أصبح مديرا للأبحاث في علم الاجتماع إلى غاية وفاته في 13 مارس 1998. و من أهم أعماله تجدر الإشارة إلى "التاريخ و البحث في الهوية" و "الاغتراب" و "الغياب المزدوج أوهام المهاجر و معاناة المغترب" الذي كتب مقدمته بيار بورديو.
المصدر: وكالة الأنباء الجزائرية