مكّن مجال الترجمة القاص البلجيكي إجزافيار لوفان من التعرف على الأدب العربي حتى أصبح شغوفا به، وترجم العديد من الأعمال خاصة لروائيين سودانيين ممن رأى كتاباتهم أقرب إلى الواقعية السحرية.
ولدى أستاذ اللغة العربية والأدب العربي الكلاسيكي والمعاصر بالجامعة الحرة في بروكسل, والمترجم من العربية إلى الفرنسية, مجموعة قصصية غير منشورة وثلاث قصص قصيرة نشرت ضمن مجموعات قصصية مشتركة مع كتاب بلجيكيين آخرين.
كما ستصدر له قريبا رواية تتحدث عن العلاقة بين بلجيكا وماضيها كبلد مستعمر, من خلال راو عجوز يعيش فيها ويتحدث عن حياته الأولى التي عاشها في الكونغو قبل استقلالها عن بلجيكا, وعن ترجماته واهتمامه بالأدب العربي، وحضور الأعمال الأدبية العربية في بلجيكا كان لنا معه هذا الحوار.
تنشط في بلجيكا حركة ترجمة الكتب العربية إلى الفرنسية أو الهولندية, لماذا لا تتم بالمقابل ترجمة المنتج البلجيكي للعربية؟
أساس المشكلة بالنسبة لي هو عدم شهرة الأدب البلجيكي داخل المنطقة الفرنكوفونية, فالمترجمون العرب لا يعرفون هذه الأعمال لأنها غير معروفة في المنطقة الأصلية هناك ولا يتم تسليط الضوء عليها كما ينبغي, إلا أن هناك بعض المحاولات الفردية التي قام بها مترجمون عرب مثل محاولة عبد المنعم شنتوف في ترجمته مسرحية كاتب بلجيكي, والتي تم نشرها في عدة مجلات عربية، كما نشرت إحدى الترجمات في جريدة القدس العربي, لكنها تبقى محاولات فردية.
كمترجم تنقل الأعمال من العربية للفرنسية, ما الذي يدفعك إلى اختيار عمل دون غيره؟
اختيار الأعمال غالبا ما يبنى على أساس غير موضوعي, حيث إن أول خطوة في فعل الترجمة هي حب العمل الذي تريد ترجمته لأن مشاعرك تجاه العمل ستظهر من خلال الطريقة واللغة التي تقدمه بها, وأنا إنسان يهتم بالهامش الأدبي وحتى الجغرافي مثل أدب دول الخليج والسودان, أي خارج مصر ولبنان اللتيْن تتصدران المشهد العربي بحكم الإعلام برغم ترجمتي مسرحية لنوال السعداوي, ورواية "الموسيقار والخليفة من بغداد" لرشيد الضعيف.
لكني ركزت على الأدب السوداني وقمت بترجمة سبعة أعمال لكتّاب سودانيين, إضافة للكاتبة السعودية ليلى الجهمي, فأنا معني بالكتب التي تتناول صوت المجتمع الحقيقي ونبضه وكيف يفكر الناس وبالطبع الكاتب الذي يضعني في قلب نصه, فأمير تاج السر الذي ترجمت له رواية "العطور الفرنسية" وأحمد المالكي هما كاتبان سودانيان لديهما أسلوب متفرد في الكتابة. وهما أيضاً ملتزمان بالواقع وتحليله من خلال رواياتهما, الأمر الذي أشعرني بوجود تقاطع بين الأدب السوداني والواقعية السحرية لأميركا اللاتينية, وكلما أقرأ لهؤلاء أشعر بتقارب بين هذا العالم الذي يكتبون عنه وبين الواقعية السحرية التي قدمها غارسيا ماركيز وخورخي أمادو وغيرهما, هذه الواقعية السحرية التي شدتنا إلى منتجهم الأدبي.
لماذا هذا الاهتمام من قبلك بالأدب السوداني على وجه التحديد؟
تولّد لدي اهتمام بالأدب السوداني منذ قرأت أعمال الطيب صالح, بدءا بـ"موسم الهجرة إلى الشمال" و"عرس الزين" ومرورا بباقي أعماله, الأمر الذي فتح أمامي عالما جديدا.
وبعد قراءتي هذه الروايات حاولت التعرف على أعمال بعض المؤلفين السودانيين كي أعرف أكثر عن هذه الثقافة, وحدث أن دخلت مرة إحدى المكتبات العربية في باريس وبالصدفة اكتشفت رواية لأحمد المالكي, وهو كاتب سوداني غير مشهور وقمت بشراء الكتاب.
وبعدما ركبت القطار فتحت الكتاب ومنذ السطور الأولى وقعت في حب الكتاب وقرأته دفعة واحدة، وكان اكتشافا آخر بالنسبة لي فتح لي بوابة على عالم متميز أجرى شهيتي للترجمة, وقد كان أن ترجمت له رواية "صفاء وموسم الأمطار".
من الملاحظ في السنوات الأخيرة حضور الثقافة العربية بقوة في المشهد البلجيكي, ما الذي أضافته هذه الثقافة إلى القارئ البلجيكي؟
أظنها أوجدت نوعاً من الفضول في قسم من المجتمع البلجيكي, فهناك بعض الناس الذين تعرفوا على عرب من خلال عمل أو صداقة مما خلق لديهم فضولا كي يعرفوا أكثر عن الأدب والثقافة العربية.
وبالنسبة للأدب هناك مجموعة كتّاب لعبوا دورا مهما في حضور الثقافة العربية في بلجيكا, مثل الكتاب العرب الذين يكتبون بالفرنسية, أمثال أمين معلوف, والطاهر بن جلون, وياسمينة خضرا, وهم ساهموا مساهمة فاعلة في خلق تقاطع ثقافي بين الثقافتين, ثم الأعمال المترجمة التي لعبت دورا آخر كأعمال نجيب محفوظ وغيره, إضافة لوجود جالية مغربية كبيرة قدمت زاوية من الثقافة العربية.
ومن هنا حاول الناس اكتشاف الثقافة العربية, ونلاحظ هذا المجهود في الأدب أكثر منه في الموسيقى، التي بقيت مجالا منفصلا, لا نشهد فيها هذا الإقبال مثلما هو على الأدب.
الأدب العربي وجد في بلجيكا وأوروبا بشكل عام مكانة مهمة جدا, وأعتقد أنه من المستحيل أن تدخلي مكتبة في بلجيكا أو أوروبا بدون أن تجدي كتابا عربيا بجوار الكثير من الكتب التي تتحدث عن الثقافة العربية, وبرأيي أن هذه الكتب ساهمت في تعريف مجتمعنا بهذه الثقافة, ويبقى الأمر خاضعا للقراء الذين يريدون أن يعرفوا أكثر، ويستطيعون الحصول علي ما يريدونه بسهولة من خلال المتاح هنا.
كيف ترى الإقبال على الأدب العربي كمادة دراسية في بلجيكا؟
لدينا في جامعة بروكسل الحرة قسم الدراسات اللغوية والأدبية, والتي ندرّس فيها عدة لغات من ضمنها العربية, والطلاب المنتسبون للقسم ينتمون إلى فئتين, الأولى طلاب من أصول عربية من المهاجرين المقيمين في بلجيكا الذين يريدون العودة إلى جذورهم, ولذا يدرسون اللغة ليتمكنوا منها, والفئة الثانية طلاب بلجيكيون أو من أصول غربية أخرى تولّد لديهم اهتمام بدراسة العربية.
وهناك حرص عال من القسمين على الانفتاح على الثقافة العربية, لذا فدوافعهم من الممكن أن تكون مختلفة حسب كل شخص, لكن تأثير الوضع السياسي عالميا من خلال الإعلام وما يسمعونه عن الواقع العربي دفع الدارسين للاطلاع على هذه الثقافة, كما أن اختلاف الذوق الثقافي يحدد رغبة الطلبة في اختيار ما يريدون دراسته ونتيجة لذلك نجد من يحب دراسة الأدب العربي ليرضي ذائقته.
أنت كاتب قصة إلا أنك لم تصدر عملا خاصاً حتى اللحظة, ألا تظن أن الأوان قد جاء لإصدار عمل مستقل؟
في الحقيقة, بجانب القصص التي كتبتها والتي صدرت في مجلات متخصصة, كتبت مجموعة قصصة كاملة, لكنها تحتاج وقتا لمراجعتها كي أطمئن لخروجها للقارئ، وهذا يحتاج مني وقتا وتأملا فيها خاصة أنها ستكون أول عمل خاص يقدمني ككاتب في المشهد الثقافي هنا.
الأدب البلجيكي ثري بتعدد مكوناته الثقافية إلا أننا لا نجد له حضورا في مشهد الأدب العالمي, ما هي المعيقات التي حالت دون ذلك؟
أظن أن هناك معيقات مختلفة تقف أمام وجود بلجيكا في المشهد الأدبي العالمي, وهي تتعدى موضوع اللغة حيث إننا نستخدم الفرنسية والهولندية, لكن بلجيكا بحكم كونها بلداً صغيراً تمتلك دور نشر صغيرة ليس لديها توزيع خارج حدودها, برغم وجود كتّاب يتعاونون مع دور نشر فرنسية بالمقام الأول.
وهناك بعض المؤلفين الذين اشتهروا خارج حدودنا إلا أنها شهرة لم تكن بالشكل المطلوب خاصة في الجيل القديم أمثال "هوغو غلاوس" و"شارل دي كوستر" و" بيلياس وميليزاند " الذي حاز على جائزة نوبل للآداب عام 1911 إضافة للشاعر الكبير "هنري ميشو" و"مارسيل تيري" الذي كان الشاعر الأكثر تجديداً وعمقاً وعالج في أعماله محنة الإنسان المعاصر.
كما أنني أظن أن هناك عدم اعتراف بالثقافة البلجيكية من قبل القارئ البلجيكي, الذي يفضل القراءة لكتاب فرنسيين أو أميركيين أو عرب, ويهمش أدبه الخاص, وأظن أن هذا يعود إلى عدم اعتزازهم بثقافتهم, وربما مشاكلنا الداخلية ساهمت في ذلك بحكم كوننا بلدا صغيرا يتوزع على ثلاث لغات كل لغة تحمل إرثا ثقافيا مختلفا.
ما الذي يمكن فعله كي يأخذ الأدب البلجيكي موقعه؟
أعتقد أن المرحلة الأولى هي التغيير في بنية العقل البلجيكي, أي أن يغيروا وجهة نظرهم عن ثقافتهم الأصلية, فهم يهتمون بكل الثقافات العالمية على الأغلب باستثناء ثقافتهم, وهذا التغيير لا بد أن يأتي أولا من السلطات والمؤسسات الرسمية القائمة على التعليم, كوزارة التربية والتعليم ووزارة الثقافة والإعلام.
كما يجب إدخال كتب لمؤلفين بلجيكيين في المناهج الدراسية أكثر مما هو عليه الآن, إضافة للميزانية المرصودة للأدب التي يجب أن تزداد كي تنشط حركة الطباعة والنشر, من ثم تستطيع دور النشر الصغيرة أن تقوم بالدعاية أكثر للمنتج الأدبي البلجيكي كما يليق به, وأتمنى فعلا وجود مترجمين من الخارج يقومون بالاهتمام بالأدب البلجيكي وترجمته إلى لغات أخرى من ضمنها العربية كي يأخد حقه في المشهد العالمي.
27-04-2011
المصدر/ الجزيرة نت