وكان هذا اللقاء مناسبة استطلعت فيها swissinfo.ch آراء عدد من المتخصصين السويسريين في العراقيل التي لازالت قائمة في وجه مسلمي سويسرا اللذين لازال يُنظر إليهم كــ "تهديد" رغم الحوار المستمر بين السلطات وممثلين عن هذه الجاليات، ورغم سياسات وبرامج إدماجها في المجتمع السويسري.
في عام 2006، دعا الحزب الديمقراطي المسيحي (وسط يمين) المشارك في الحكومة الفدرالية إلى "الحديث مع المسلمين وليس عنهم" بُغية الحفاظ على السلام الديني على إثر تزايد الاهتمام بالجاليات المسلمة في سويسرا ووضعها في "قفص الاتهام"، خاصة من قبل أحزاب أقصى اليمين، بعد أحداث 11 سبتمبر 2011 الإرهابية.
وفي العام الموالي، بادر كريستوف بلوخر وزير العدل والشرطة آنذاك – وهو ينتمي لحزب الشعب (يمين شعبوي) - إلى تنظيم جلسات حوار مع ممثلين عن مسلمي سويسرا. ولكن تصويت السويسريين على مبادرة حظر بناء مآذن جديدة في البلاد يوم 29 نوفمبر 2009 بعد حملة انتخابية شرسة ضد المسلمين - لعب فيها حزب الشعب دورا لا يُستهان به بملصقات وصفت بالـ "عنصرية" و"المستفزة" – جاء ليثبت أنه لايزال يُنظر إلى الجاليات المُسلمة في سويسرا كـ "تهديد" وكجندي يُدبّـر في الخفاء عملية "أسلمة" البلاد، رغم أن العديد من الدراسات الجامعية تؤكد أن غالبية مسلمي سويسرا مندمجون جيدا، حتى أن الأقلية منهم هي المواظبة على أداء شعائرها الدينية (15 إلى 20%)، ولكن الغالبية تظل متمسكة بهويتها الإسلامية.
فــلماذا لا ينضب الحديث والجدال بشأن هذه الجاليات رغم مرور كل هذه السنين؟ هل يكمن الخطأ في سياسة الإندماج التي تنتهجها سو
"الأداء" و"الطابع العاطفي" يحدثان الفرق
الدكتور سامويل-مارتان بهلول، المحاضر والباحث في جامعة لوتسرن في مجال علوم الديانات والحاصل على دكتوراه في العلوم العربية والإسلامية من جامعة برلين، يتفق على أن العشرية الأخيرة شهدت بالفعل إقامة الحوار بين سلطات سويسرا ومسلميها، ولكنه ينوه إلى وجود مستويين من هذا الحوار، "بين أوساط المثقفين وبين شخصيات هامة جدا VIP، من جهة، وبين الناس العادين من جهة أخرى".
ويشدد الدكتور بهلول على أن المستوى الأول من الحوار، السياسي الطابع، هو الذي يستأثر باهتمام وسائل الإعلام رغم أنه لا يؤدي إلى نتائج ملموسة. أما الحوار الذي يتم على مستوى أدنى، والذي يـساهم بفعالية في تشجيع التواصل وتعزيز التفاهم بين الجاليات المسلمة ومكونات المجتمع الأخرى، فإنه يجري بعيدا عن وسائل الإعلام بسبب "افتقاره" لطابع الإثارة.
ويستشهد كمثال على ذلك بالإقبال الإعلامي والجماهيري الكبير على البرامج التي تكون فيها مواجهة بين المفكر الإسلامي السويسري طارق رمضان وأحد ممثلي حزب الشعب السويسري، مثل كريستوف بلوخر أو أوسكار فرايزينغر. وخير دليل على صحة ملاحظته، تمكن النائب فرايزينغر من إقناع مجلس النواب يوم 28 سبتمبر بتبني مذكرته الرامية إلى فرض قيود صارمة على ارتداء البرقع في الأماكن العامة.
ولكن عندما ينظم إمام بوسني في بلدية بزيورخ لقاءً عن السلام أو عندما تقدم الجالية البوسنية في شليرن (قرب زيورخ) وجبات طعام ومشروبات بوسنية للجيران السويسريين، فلا تحظى هذه النوعية من "الأحداث المحلية" بتغطية إعلامية واسعة.
ويعتقد الدكتور بهلول أن أحد الأسباب الرئيسية تكمن في "إتقان حزب الشعب للأداء بحيث استوعب ضرورة إضفاء الطابع العاطفي على النقاش، وتمكن من خلال ملصقات إعلانية، يمكن أن تكون مضحكة أو مخادعة، من ممارسة تأثير هائل على الرأي العام".
الحوار السياسي يهزم الحوار المعيشي
وأشار الدكتور بهلول إلى جملة من الأبحاث الميدانية التي أجراها والتي تحدّث فيها إلى مواطنين سويسريين وممثلين عن الجاليات المسلمة. واستنتج أن "معظم المسلمين مندمجون جيدا في هذا البلد"، كما لاحظ العدد الكبير للفعاليات المحلية التي تتم سواء على مستوى المدارس أو الكنائس أو جمعيات المساجد التي تنظـم أيام الأبواب المفتوحة لاستقبال "الآخر" والاختلاط معه.
ويستطرد قائلا: "النساء المسلمات والنساء السويسريات يجتمعن للحديث عن مشاكلهن مع أزواجهن أو أطفالهن (...) وفي هذا المستوى الأدنى من الحوار، لا توجد أية مشاكل على الإطلاق، الجميع سيقول لك أنا لم أواجه أبدا أية مشكلة مع جاري المسلم، ولكن عندما يتعلق الأمر بمناقشة الإسلام على الساحة العامة، تتحول دلالات لفظ الإسلام الى تهديد، ويقال إن هنالك أسلمة مخفية تجري في سويسرا، وسرعان ما تتحول تلك التجربة الإيجابية (التي تتم في المستوى الأدنى من الحوار) إلى شيء منعدم الأهمية، وعندما يتوجه الناس إلى صناديق الاقتراع أو ينبغي عليهم اتخاذ قرار ما على المستوى العام، ندرك أنه لايزال ينظر إلى الإسلام كتهديد".
"تصور خاطئ من الناحية الديمقراطية"
من جانبه، يرى دكتور العلوم السياسية ماتيو جياني الذي تركز أبحاثه في جامعة جنيف على مفاهيم الديمقراطية والمواطنة والعدالة والتعدد الثقافي، أن إشكالية إدماج الجاليات المسلمة في الكنفدرالية تقوم على مفهوم الاندماج نفسه الذي تتبناه سويسرا.
الدكتور جياني الذي شارك في إنجاز أول دراسة استكشافية حول مسلمي سويسرا عام 2005 يُقر بأن سويسرا تبذل بالفعل جهودا لإدماج الجاليات المسلمة، من خلال المندوبين والمكاتب والهياكل المكلفة بقضايا الاندماج وبتنظيم لقاءات إدارية بين السياسيين وممثلي الجمعيات المسلمة، ولكنه ينوه إلى أن الحملة الانتخابية التي سبقت المبادرة الشعبية لحظر بناء مآذن جديدة في سويسرا، أوضحت أن سياسة الاندماج المعتمدة في سويسرا مبنية بصفة عامة على فكرة "لكي تكون مندمجا يجب أن تتكيف مع القواعد والمبادئ والقيم السويسرية".
ولئن كان الدكتور جياني يوافق نسبيا على هذا الشرط، فإنه يؤكد أن "طريقة التفكير هاته في الاندماج هي سيئة وخاطئة من الناحية المفاهيمية ومن الناحية الديمقراطية"، مشيرا إلى أن "عملية الاندماج هي ليست ببساطة عملية امتصاص، فعندما تقول على الأجنبي أن يندمج عن طريق التكيف والتأقلم، تعني أن الموارد والحقوق والترتيبات السياسية (...) أمور قارة وملموسة وصحيحة ومحسومة، وما على ذلك الشخص المختلف، بشكل عام، إلا الامتثال أو البقاء منحرفا (عن القاعدة)".
ويعتقد الدكتور جياني أن ما يمكن أن يغير جذريا هذا المفهوم الخاطئ حسبه، هو اعتبار الاندماج عملية سياسية من شأنها أن تسمح بالتفاوض والنقاش لوضع تدابير عقلانية تسمح لكافة المعنيين، وبالتالي المسلمين، بالمشاركة في التحديد الجماعي للقيم المشتركة، و"ليس دفع فئة سكانية إلى الامتثال لمعايير لم تقررها أو لم تشارك في تقريرها".
"نفرض على المسلمين خيالا سياسيا"
والأسوأ في اعتقاد الدكتور جياني هو "جعل سياسة الاندماج تتمحور حول خيال سياسي مفاده أن الشخص غير المسلم في سويسرا يعلــم ما معنى القيم والمبادئ الديمقراطية"، مشيرا أنه من دون نقاشات حول المبادئ الديمقراطية وطريقة تطبيقها بواسطة قوانين وقرارات سياسية لما وُجدت السياسة أصلا.
وتابع قائلا: "ما نفرضه على المسلمين هو هذه القصة الخيالية القائلة إن هنالك شيئا يعرفه الجميع اسمه المبادئ الدستورية والقيم والمعايير السويسرية، وهذا لا يوجد سوى في الخيال المحض لأن السويسريين أنفسهم ليسوا متفقين على كل شيء، فمنهم – على سبيل المثال - من يعتبر التأمين على الأمومة ضروريا في نظام ديمقراطي يعمل بشكل جيد، ومنهم من يعتبره مشكلة خاصة وأن على الدولة أن تتدخل من خلال سياسة الانجاب (...)، إذن نحن نقبل في الساحة السياسية الديمقراطية أن يكون هنالك خلاف حول عدد من القيم وطريقة تطبيقها سياسيا، ولكن إزاء المسلمين - ومجموعات أجانب أخرى كانت تاريخيا منبوذة - نكتفي بإعطائهم إمكانية وحيدة، ألا وهي الامتثال".
ويشير الدكتور جياني في هذا الصدد إلى أن تلك القيم ليست واضحة أصلا بالنسبة للأغلبية التي يُفترض أن تُقرر إن كان هؤلاء المسلمون أو الأجانب ممتثلون للقواعد أم لا، قبل أن يضيف: "إن الذهاب إلى حد المطالبة بأن يكون سير عمل نظام ديمقراطي مرادفا لاتفاق الجميع على كيفية إعطاء مضمون ملموس للمبادئ الديمقراطية، يُعتبر في نظري سخافة بكل بساطة، لسبب وحيد وجيد هو أنه لا يوجد نظام واحد يعمل على هذا النحو".
من جهة أخرى، لا يتفق الدكتور جياني مع وقوف المواطن السويسري في موقع الشخص الذي يتفضل بالخير على الأجنبي أو يعطف عليه لأنه يقبل أن يعيش معه جنبا إلى جنب. وقال بهذا الشأن: "انا لا أستدعي الآخر المسلم إلى الطاولة لأنني أريد أن أكون لطيفا إزاءه بل أستدعيه لأنني انطلق من فكرة أنني إذا ما أردت أن أتوصل إلى قرار ديمقراطي، فيجب أن يكون هو حاضرا معي للنقاش، وهذه للأسف هي إشكالية الاندماج برمتها اليوم في سويسرا".
ويرى الدكتور جياني بالتالي أنه لا يمكن المباهاة من جهة بتجسيد نظام ديمقراطي يعتبر من بين الأقدم في العالم وله تجربة عريقة في النظام الفدرالي والتعامل مع التعدد اللغوي والثقافي، ونسيان عناصر أساسية للعمل الديمقراطي والمعايير التي تضفي عليه الشرعية. وذكر في هذا السياق مبدأ "اعتبار الجميع كفاعلين مستقلين ومتساوين أخلاقيا، المساواة في المعاملة، ومساواة الفرص، المساواة في اتخاذ القرار".
وهذه النقطة هي التي يعترض عليها الدكتور جياني في سياسة الاندماج المعتمدة إزاء الأجانب في سويسرا، لأنه يرى أنها تركز فقط على البعد الثقافي وتنسى تماما البعد السياسي. ويقول بغضب المُثقف : "نظل متمسكين بفكرة أن ما يجعل الاندماج هو إرادة الأجنبي في الاندماج، وهذا مكتوب في وثائق رسمية، فعلى الأجنبي أن يثبت إرادته ويظهر استعداده للإندماج، ولكن من الذي سيحدد اذا كان هذا الأجنبي أو ذاك يظهر التزامه؟ وإلى أي حد يمكن أن تحدد دولة ديمقراطية شروط التعبير عن إدارة المهاجر في هذا المجال. فهل ارتداء النساء للحجاب والأئمة للجلباب والصنادل (...) يعبر عن عدم الرغبة في الاندماج؟
11-10-2011
المصدر/ سويس أنفو