نظم المرصد الجهوي للهجرات ـ فضاءات ومجتمعات، محاضرة افتتاحية تحت عنوان: "الإسلام من عوامل اندماج المهاجرين بأوروبا؟"، ألقاها الأستاذ عبدالله بوصوف المؤرخ المتخصص في الهجرة والكاتب العام للمجلس الاستشاري للمغاربة المقيمين بالخارج (CCME) ورئيس مركز الأبحاث عن الإسلام ببلجيكا.
وكانت هذه المحاضرة افتتاحية لفائدة طلبة ماستر الهجرة والتنمية المستدامة (الموسم الجامعي 2011ـ2012)، على الثالثة والنصف من الخميس 13 أكتوبر/تشرين الأول الجاي بقاعة الاجتماعات، برحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية التابعة لجامعة ابن زهر بأكادير.
حول سبب اختيار هذا الموضوع، تكفي الإشارة لتنامي التيارات والتوجهات المعادية للإسلام وكذا المعادية للأجانب وصعود اليمين المتطرف، حيث يبدو جليا مدى أهمية هذه المسألة التي تطرح تساؤلات إشكالية حول الانعكاسات الاجتماعية والسياسية وكذا الاقتصادية للظاهرة. لفترات طويلة شكل المسلمون بأوروبا تجمعات صامتة ومنعزلة. لكن، الإطار العام سرعان ما شهد تغيرا كبيرا. فمن جهة هناك نمو عدد السكان المهاجرين، وكذا طول مدة وجودهم بأوروبا، وما اعتراهم من تحول سوسيو – اقتصادي؛ ومن جهة أخرى هناك ظهور المد الإسلامي كصوت وطريقة للاحتجاج، والتطرف في المطالب، الشيء الذي ترتب عنه ربط الإسلام بالهجرة، ربطا صار مصدر سوء فهم وتوتر وحذر واحتقار، في قارة ذات أغلبية علمانية تعالج الأمر بمقاربة أمنية.
الأكيد أن موضوعا راهنا بهذه الحمولة يستدعي بتركيبيته وبعمقه التاريخي - الاجتماعي وبحقله الجغرافي والسياسي تناولا تزامنيا وكذا تاريخيا قصد الإحاطة به. ويتطلب تناولا جديدا يتجاوز الطروحات الكلاسية المتجاوَزة من قبيل حصر الهجرات في هجرة اليد العاملة الموسمية على سبيل المثال.
أمام هذه المعطيات الجديدة التي تخص الفضاء، كما تخص الجانب الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، كانت هذه المحاضرة مجالا لتناول نقط الاتفاق والاختلاف بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط في معالجة هذا الملف الذي يشكل موضوعا نفيسا بالنسبة لليمين المتطرف. وبكثير من العمق والروية، حلل المحاضِر مسألة تسييس موضوع الهجرة والإسلام كتجل من تجليات تمفصل اللحظي بالدائم، في محاولة لإسماع أصوات تُحَكِّم العقل للتخفيف من وطأة غليان الصخب الإعلامي السائد.
بداية نبّه بوصوف ـ بخبرته الطويلة في ديار المهجر ـ إلى أهمية المرافقة الهوياتية للمهاجر المغربي، وإلى ضرورة تأطير الحقل الديني في أوروبا، وكذا إلى استعجالية إنشاء المجلس العلمي لمغاربة أوروبا.
صحيح أنه في السابق كانت هناك بعثات علمية، من فقهاء وعلماء، على الأخص في شهر رمضان، لكن المهاجر المغربي محتاج الآن ـ وأكثر من أي وقت مضى ـ إلى إيجاد هياكل قارة تسهم في التأطير الديني، سيما ونحن أمام سوق دينية عالمية، صار فيها المهاجر المغربي ـ على وجه الخصوص ـ وجها لوجه مع ما يسمى بـ "مشكلة المرجعية"، التي يزيد من حِدَّتها غياب الكتاب الديني. فالكتب المترجمة التي تعرف بالمذهب الديني تكاد تكون في حكم العدم.
والمعضلة الأخرى التي توقَّف عندها المحاضر تتعلق بالبعثات العلمية وجودة التواصل. فالعديد من أعضاء تلك البعثات لا يتقن اللغات الأجنبية، ولذلك تتضاءل نسبة التأثير.
وثالثة الأثافي في هذه المعضلات لها صلة بالإعلام المغربي الذي لم يطور أساليبه للوصول إلى مستوى التأثير أو الحفاظ على المرجعية الدينية على غرار الإعلام المشرقي في بعض قنواته التلفزية ذات الانتشار الواسع والتعميم الكبير. ولعل هذا جعل المرجعية المغربية تصاب بنوع من الارتجاج. الشيء الذي يعيد إلى الواجهة أسئلة حارقة من قبيل: من هو المحاوَر؟ ومن يمثل الدين؟ وبالتالي من يتحدث باسم الإسلام؟ وتظل هذه الأسئلةُ إشكاليةً؛ لأن الغائب الأساس هو المتخصص في الشؤون الإسلامية. وحسب المحاضِر دائما، أغلب الأئمة في أوروبا غير كفء.
وبجرأة كبيرة، تم الحديث عن أماكن العبادة الإسلامية وما تطرحه الصومعة من معضلات، يمكن التغلب عليها بهندسة معمارية تناسب المعمار الأوروبي؛ إذ لا بد من مراعاة خصائص معمارية المجتمعات الأوروبية. فالطابع المحلي للمعمار يفرض نفسه، تجنبا لأي صدام معماري. وهكذا يتم التغلب على السؤال الكبير الذي يبقى فيه الإسلام عامل اندماج، وتبقى ممارسة الإسلام غير مرهونة بتاريخ وجغرافية البلد المنطلق ليس إلا. من هنا ينبغي إبداع قالب معماري ـ وحتى أسماء لهذه المساجد ـ تتناسب مع المجتمع الأوروبي الذي تعيش فيه الجالية، تجنبا لوضع كاريكاتوري شبيه بارتداء المعطف فوق الجلباب.
والخلاصة التي انتهى إليها المحاضِر هي أن صورة المسلم اليوم فيها كثير من الخوف والتوجس من الإسلام. من هنا تأتي أهمية السؤال: هل من سبيل إلى إعادة نوع من الاعتبار للمسلم والإسلام في أوروبا؟
لعل من أهم السبل التي تم التطرق إليها هي: العمل على مصالحة بين الإسلام والغرب. والعمل على نوع من الاندماج دون إثارة الخوف. وبذل مجهود للتعرف على الآخر انطلاقا من معارفه هو. فنحن نعيش بمتخيل كثير عن الغرب، وليس هناك ـ حسب المحاضر ـ من يتحدث عن المسيحية أو اليهودية حديثا علميا. والتغلب على غياب المعرفة الاقتصادية والاجتماعية والدينية للمجتمعات الأوروبية، وسد هذا الفراغ بمعرفة الآخر وضرورة التعايش معه. مع ضرورة التعامل مع الآخر في إطار إنسانية الإنسان؛ لأن الإسلام، في حد ذاته، دين يتعامل مع إنسانية الإنسان، ويحتِّم التعايش السلمي مع مختلف مكونات الإنسانية. فـ {الخلق عيال الله وأحبهم إلى الله أحبهم إلى خلقه}، كما قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وتشرَّب أخلاقَه وسلوكَه الإمام علي ابن أبي طالب وهو يبعث بكتابه إلى واليه على مصر مالك بن الحارث الأشتر قائلا: {يا مالك إن الناس صنفان: إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق}.
وعن قضية الولاء لمن؟ بيَّن المحاضر أن المهاجر يقع في خط التَّماس، وجزء منه ينتمي للغرب. وبما أنه جزء من هذا المجتمع عليه أن يفرح لفرحه ويهتم لهمومه وآلامه. ويسهم في هذه الحضارة. ويجعل من نفسه قنطرة مع العالم الإسلامي.. قنطرة للحوار الثقافي والتعايش، لجعل الإسلام عامل اندماج. ولذا لا بد من فتح باب الاجتهاد، وخلق مجلس أوروبا للإفتاء لحل معضلات تتعلق بالإرث والزواج وغير ذلك. ولا بد أن تكون الاختيارات نابعة من مقاصد الدين، لا من الانتهازية الدينية في حل مشاكل اجتماعية وما إلى ذلك.
ويشار ـ في الأخير ـ إلى أن المجلس الاستشاري للمغاربة المقيمين بالخارج بلور شراكات مع عدة جامعات على رأسها جامعة ابن زهر، شراكة أثمرت: خلق ماستر الهجرة والتنمية المستدامة، وإنشاء مركز التوثيق حول الهجرات وحقوق الإنسان. ودعم مهرجان الهجرات بتارودانت. وكذلك دعم العديد من الاصدارات.
بقلم: د. عبدالنبي ذاكر
17-10-2011
المصدر/ ميدل إيست أونلاين