الخميس، 26 دجنبر 2024 12:59

واشنطن- الولايات المتحدة لم تعد «حلم» أبناء المهاجرين إليها

الثلاثاء, 17 أبريل 2012

على الرغم من أن سمير كاباديا كان يعمل بشكل جيد في واشنطن، حيث انتقل من فترة تدريب في مبنى «الكابيتول هيل» إلى العمل في مؤسسة كبرى ومنها إلى شركة استشارية أخرى، فإنه كان يشعر بأن حياته المهنية تتسم بالروتين والملل. وعلى النقيض من ذلك، كان أصدقاؤه وأقاربه في موطنه الأصلي الهند يخبرونه بأنهم يستمتعون بحياتهم في تلك الدولة التي تشهد ازدهارا كبيرا في الآونة الأخيرة، حيث قال أحدهم إنه قد افتتح شركة للتجارة الإلكترونية، في حين قال آخر إنه قد أنشأ شركة للعلاقات العامة، وقال آخرون إنهم افتتحوا مشاريع أخرى مثل حاضنات الأعمال ومواقع النميمة على الإنترنت.

وقال كاباديا، الذي ولد في الهند ولكنه نشأ وترعرع في الولايات المتحدة: «كنت أتبادل معهم الأحاديث على موقع (فيس بوك) وعلى الهاتف وأخبروني بأنهم قاموا بإنشاء تلك الشركات ويستمتعون بتلك الأشياء الحيوية، في الوقت الذي كنت أشعر فيه بالملل من عملي الذي يبدأ في التاسعة صباحا وينتهي في الخامسة مساء».

ونتيجة لذلك، استقال كاباديا من عمله وانتقل إلى مدينة مومباي الهندية. ويقول الخبراء إن عددا كبيرا من أبناء المهاجرين إلى الولايات المتحدة من ذوي الشهادات العليا قد عادوا مرة أخرى إلى بلدانهم الأصلية التي تركها أباؤهم في يوم من الأيام ولكنها تحولت الآن إلى قوى اقتصادية كبرى.

وقد سافر معظم المهاجرين، مثل كاباديا، إلى الولايات المتحدة وهم في سن صغيرة وحصلوا على الجنسية الأميركية، في حين ولد آخرون في الولايات المتحدة. ودائما ما كان ينظر المهاجرون إلى الولايات المتحدة على أنها أرض الأحلام، ولكن هذه الموجة الجديدة من الهجرة العكسية توضح الطبيعة الجديدة للهجرة العالمية والتحديات التي تواجه تفوق الاقتصاد الأميركي وقدرته على المنافسة.

وفي مقابلات شخصية معهم، قال الكثير من هؤلاء الأميركيين إنهم لا يعرفون إلى متى سيعملون بالخارج، حيث قال البعض إنهم قد يعملون بالخارج لعدة سنوات، إن لم يكن لبقية حياتهم.

 

وقد تسببت القرارات التي اتخذها هؤلاء الشباب، في الكثير من الحالات، في كثير من المتاعب لآبائهم، وقال معظمهم إنهم قد قرروا مغادرة الولايات المتحدة بسبب المناخ الكئيب للتوظيف هناك، أو لأنهم قد تعرضوا لإغراءات كبيرة في أماكن أخرى وآفاق جديدة.

وقال كاباديا، الذي يعمل الآن كباحث في مؤسسة «غيتواي هاوس»، وهي منظمة بحثية في مجال العلاقات الخارجية في مومباي: «الأسواق تتفتح هنا باستمرار، وهناك أفكار جديدة كل يوم، وهناك فرصة أكبر للتعاون والإبداع. الناس هنا تعمل أسرع بكثير من الناس في واشنطن».

وعلى مدى أجيال طويلة، كانت الدول الأقل تقدما تعاني ما يطلق عليه اسم «هجرة العقول»، ولكن لم يعد يحدث هذا الآن، وامتد الأمر إلى حدوث نوع من الهجرة العكسية، ولا سيما إلى دول مثل الصين والهند، ودول أقل مثل البرازيل وروسيا.

ويؤكد بعض الخبراء وكبار رجال الأعمال أن هذه الهجرة العكسية لا تعني بالضرورة شيئا سيئا بالنسبة للولايات المتحدة، حيث يقوم رجال الأعمال الشباب والمهنيون المتعلمون تعليما عاليا بنشر بذور المعرفة والمهارات الأميركية بالخارج. وفي الوقت نفسه، يكتسب هؤلاء العمال الخبرة في الخارج ويقومون ببناء شبكات يمكن أن تعود مرة أخرى إلى الولايات المتحدة أو إلى أي مكان آخر، وهو ما يطلق عليه اسم «دورة العقول».

ومع ذلك، يحذر الخبراء من أن السباق العالمي على المواهب يجعل من عودة هؤلاء المهاجرين إلى الولايات المتحدة والشركات الأميركية شيئا غير مضمون.

ويقول ديميترويس باباديميترو، وهو رئيس معهد سياسات الهجرة، وهو مجموعة غير ربحية تتخذ من واشنطن مقرا لها وتقوم بدراسة الحركات السكانية: «إنهم يبحثون عن الفرصة أينما وجدت. أعرف أن البعض سيتحدث عن الولاء، وما إلى ذلك. إنني أتفهم كلمة الولاء وقت الحروب، ولكن هذا أيضا نوع من الحروب التي تؤثر علينا جميعا».

ولا تقوم الحكومة الأميركية بجمع المعلومات بشكل خاص عن هجرة الذين ولدوا في الولايات المتحدة إلى الخارج، أو عن أولئك الذين ولدوا بالخارج ثم سافروا إلى الولايات المتحدة عندما كانوا صغارا. ومع ذلك، يرى الكثير من خبراء الهجرة أن هذه الظاهرة قد تزايدت بصورة كبيرة للغاية.

 

وقال إدوارد بارك، وهو مدير برنامج دراسات أميركا وآسيا والمحيط الهادي في جامعة لويولا ماريماونت بولاية لوس أنجليس: «لقد تعدى الأمر مرحلة الحديث العشوائي، وأصبحت هناك دلائل على تنامي تلك الظاهرة».

وأكد بارك أن هذه الظاهرة تعود إلى المحاولات الجادة التي تبذلها بعض حكومات الدول الأخرى لجذب تلك المواهب من خلال توفير فرص عمل واستثمارات جديدة، علاوة على تخفيض المعدلات الضريبية وتقديم الحوافز.

وأضاف بارك: «وعلى هذا الأساس، فإن الأشخاص ليسوا وحدهم هم من يتخذون تلك القرارات، ولكنها الحكومات التي تضع سياسات استراتيجية لتسهيل ذلك». وقال المسؤولون في الهند إنهم قد لاحظوا ارتفاعا كبيرا في وصول السكان المنحدرين من أصول هندية خلال السنوات الأخيرة - بما في ذلك 100.000 شخص خلال عام 2010 وحده، حسب تصريحات ألوين ديدار سينغ، وهو مسؤول سابق في وزارة الشؤون الهندية في الخارج.

ويملك الكثير من هؤلاء الأميركيين القدرة على تكوين شبكات أسرية، كما أنهم يتمتعون بمهارات لغوية ومعرفة ثقافية كبيرة نتيجة نشأتهم في المهجر.

عاد جوناثان أسايغ، أميركي من أصل برازيلي يبلغ من العمر 29 عاما، ولد في ريو دي جانيرو وتربى في جنوب فلوريدا، إلى البرازيل في العام الماضي. عمل أسايغ، وهو خريج كلية هارفارد للأعمال، في شركة إنترنت في وادي السيليكون وفشل في محاولة تأسيس شركة خاص به. يقول أسايغ: «ظللت على مدار خمسة أشهر أقضي إجازاتي الأسبوعية في ستاربكس، محاولا تأسيس مشروع جديد في أميركا».

ظل أصدقاء أسايغ في هارفارد يحثونه على التغيير، حيث يقول: «لقد كانوا يقولون لي: ماذا تفعل هنا يا جون؟ اذهب إلى البرازيل وقم بتأسيس عمل ما هناك».

وعقب انتقاله إلى ساو باولو، أصبح أسايغ «رجل أعمال مقيما» في شركة جديدة، ويقوم الآن بتأسيس مشروع للنظارات على الإنترنت. يقول أسايغ: «أنا أتحدث نفس اللغة، وعندي نفس الثقافة وأعرف كيف يقوم الناس بالأعمال هنا».

أما كلفين تشين، فولد في ميتشغان وكان يقيم بسان فرانسيسكو، حيث كان يعمل في شركات التكنولوجيا الناشئة وكانت زوجته تعمل كمصممة ديكورات داخلية. تنتمي والدة تشين وأجداده لأبيه للصين، بينما ينتمي آباء زوجته إلى تايوان. تعيش الأسرة الآن في شنغهاي، حيث أسس تشين شركتين - شركة خدمات إقراض للطلبة عبر الإنترنت وحاضنة أعمال للمشاريع التكنولوجية الناشئة، بينما تعمل زوجته، أنجي وي، ككاتبة أعمدة ومذيعة تلفزيونية.

يقول تشين: «تعد الطاقة هنا أمرا استثنائيا». الجدير بالذكر أن تشين ووي لديهما طفلان ولدا في الصين. فكرت ريتو جيان، وهي أميركية من أصل هندي تبلغ 36 عاما والتي نشأت في تكساس، في الانتقال إلى الهند عندما أخذت إجازة من عملها كمراجعة حسابات للسفر إلى الخارج. تقول جيان إنها كثيرا ما كانت تقابل أشخاصا يعودون إلى بلدانهم الأصلية، حيث كانوا يشعرون بـ«الطاقة الإبداعية» الموجودة في العالم النامي.

انتقلت جيان وزوجها نهال سانغافي، الذي كان يعمل محاميا في الولايات المتحدة الأميركية، إلى مومباي في شهر يناير (كانون الثاني) عام 2011. وتعمل جيان الآن مدربة ومصممة رقصات، حيث كان لديها هذا الشغف منذ فترة طويلة، وقامت بالتمثيل في عدد من الإعلانات التلفزيونية وأحد أفلام بوليوود.

وكغيرهم من المهاجرين، أصاب قرارهما بالعودة إلى الهند آباءهم المهاجرين بالارتباك - وربما بالغضب. فعندما أخبر جاسون لي، الذي ولد في تايوان ونشأ في الولايات المتحدة الأميركية، والديه برغبته في زيارة هونغ كونغ خلال فترة الدراسة الجامعية، رفض والداه تحمّل ثمن تذكرة الطائرة.

يقول لي، 29 عاما: «لقد تحجج بقوله، (لقد عملت بجد كبير لأحضرك إلى الولايات المتحدة، وها أنت الآن تريد العودة إلى الصين!)».

ومنذ ذلك الحين، أنشأ لي شركة تصدير واستيراد بين الولايات المتحدة الأميركية والصين، ودرس في شنغهاي، وعمل في بعض البنوك الاستثمارية في نيويورك وسنغافورة، وقام بتأسيس موقع عالمي على الإنترنت للبحث عن الوظائف في الهند. ويعمل لي الآن في إحدى الشركات الاستثمارية في سنغافورة، بينما توارت معارضة أبيه له في هذا الشأن.

تقول مارغريت تران - التي اتبعت عائلتها عبر الجيلين السابقين مسار الهجرة من الصين إلى الولايات المتحدة الأميركية عبر كمبوديا مرورا بتايلاند وهونغ كونغ ثم فرنسا - إن والدها كان مستاء من قرارها بالعودة إلى الوطن في عام 2009.

تقول تران، التي تبلغ من العمر 26 عاما والتي ولدت في فرنسا ثم انتقلت إلى الولايات المتحدة الأميركية عندما كانت في الحادية عشرة: «كانت رغبتي في الانتقال للصين بالنسبة له دربا من الجنون، حيث إنه أرادني أن أحصل على كافة المزايا التي يقدمها العالم الأول». وعقب تخرجها من جامعة كورنيل في عام 2009 في ذروة الركود الاقتصادي العالمي، لم تستطع تران العثور على عمل في وول ستريت، وهو الطموح الذي ظل يراودها منذ فترة طويلة، لذا قامت بالانتقال إلى شنغهاي وعثرت على وظيفة في شركة استشارات إدارية.

تقول تران: «لم يسبق لي الذهاب إلى آسيا مطلقا، لذا كانت العودة إلى جذوري أحد أسباب هذا القرار». وتضيف تران أنها لم تكن تعلم الفترة التي سوف تقضيها في الخارج، وأنها كانت مستعدة لمختلف الاحتمالات، مثل الانتقال إلى بلد أجنبي آخر أو العيش بين الصين والولايات المتحدة الأميركية أو حتى البقاء بشكل دائم في الصين. وافق والدها على الفكرة على مضض، حيث تقول تران: «لقد قلت له إنني سوف أجرب حظي في الصين، وإذا سارت معي الأمور على ما يرام، فقد يكون لي مستقبل رائع هناك، ولكنه لم يحاول منعي من القيام بتلك الخطوة».

17-04-2012

المصدر/ جريدة الشرق الأوسط

Google+ Google+